بوش الابن وريغان.. الأصل والصورة

TT

وصف العديد من المعلقين جورج بوش عقب وفاة رونالد ريغان، على أنه وريثه السياسي. ويبدو ان مثل هذا الوصف يرجع الى اعتقادهم بميل الرجلين الى وصف السياسة الخارجية من منطلقات اخلاقية، مثل الصراع ضد امبراطورية الشر او محور الشر. غير ان المقارنة ربما تصبح اعمق من ذلك. فبغض النظر عن بلاغة ريغان الخطابية، فقد أظهر رغبة برغماتية لتغيير المسار. وهذه البرغماتية كانت واضحة في تعامله مع القضايا الاجنبية من لبنان الى الاتحاد السوفياتي فيما تتبلور براغماتية مماثلة في البيت الابيض الآن والادارة تناضل من أجل العثور على استراتيجية للخروج من العراق.

لقد كان ريغان زعيما متقلبا وقادرا مثل آلهة الاغريق على التغير طبقا للاحتياجات والظروف السياسية. وكان يتحدث بلهجة متشددة، ولكن يتصرف بضبط نفس. وهذه المقدرة ـ للجمع بين منطلقات سياسية متكيفة تتميز بالحلول الوسط ولهجة قيم لا تتغير ـ كانت جزءا من عبقرية ريغان السياسية.

ومن الامثلة الاكثر ريبة للسياسة الواقعية في ادارة ريغان في الشرق الاوسط هي قراره بمقايضة الاسلحة مع ايران مقابل الافراج عن الرهائن الاميركيين في لبنان. وعندما اكتشف امر الاتفاق السري، تمكن ريغان من السيطرة على التداعيات السياسية بالاصرار على انه لم يفعل أي شيء.

ومن أعظم انجازات ريغان، التعبئة الاخلاقية والبراغماتية بطريقة أدت لانهيار الاتحاد السوفياتي. فقد تجرأ على رفض فكرة ان امبراطورية الشر السوفياتية هي حقيقة ثابتة من حقائق التاريخ، لمجرد ان الروس يملكون اسلحة نووية، فدعم هذا الالتزام بالدخول في حروب بالوكالة في نيكارغوا وانغولا وافغانستان. ولكن بحلول الثمانينات، كان يشرك غورباتشوف في شبكة من اتفاقيات حقوق الانسان وحظر انتشار الاسلحة ساعدت على تعزيز عملية التغيير داخل الاتحاد السوفياتي التي دمرت الحكم الشيوعي.

ومن بين الاسباب التي جعلت مواقف ريغان المبدئية ممكنة، هي ان كبار مستشاريه كانوا واقعيين لدرجة كبيرة في تطبيقها. وهو أمر مؤكد فيما يتعلق بجيمس بيكر، الذي كان رئيس هيئة موظفي البيت الابيض ووزيرا للخزانة فيما بعد، وكولن باول الذي كان آخر مستشار للامن القومي في عهد ريغان.

أما اسلوب خطاب بوش فيتسم بأنه أكثر رفضا للإذعان والاستسلام مقارنة بأسلوب ريغان. ويتفق مؤيدو بوش ومنتقدوه على حد سواء بأنه يركز على هذا النوع من عدم المرونة، خصوصا في ظل تزايد الصعوبات التي تواجهها واشنطن بالعراق. ولكن ادارته بدأت خلال الشهور الاخيرة في إجراء تغير حاد في نهجها على الرغم من دعاوى التمسك بالموقف الذي كانت تردده في السابق. ويمكن وصف هذا التعديل الذي طرأ على استراتيجيتها بأنه ريغاني الطابع.

الأساس البراغماتي لهذه السياسة الجديدة واضح، فعلى الرغم من ان إدارة بوش رفضت في السابق لعب منظمة الامم المتحدة دورا في العراق، ها هي تصر الآن على ضرورة دخولها طرفا. وفيما كانت ادارة بوش تتحدث عن اجتثاث حزب البعث، ها هي تقف وراء تعيين اياد علاوي الذي يحرص على إعادة البعثيين للحكومة. وعقب دعم الجلبي في السابق، اتجهت للتخلي الآن عنه. ويقف وراء مراجعة السياسة الاميركية الحالية تجاه العراق روبرت بلاكويل، نائب مستشارة الأمن القومي، كوندوليزا رايس، ورئيسها السابق في المجلس خلال حقبة بوش الأب. هذه السياسة الجديدة قد لا تكون بالضرورة ايجابية، فضلا عن انها تتضمن بعض المساومات على حساب المبادئ، إلا ان هذا هو الحال دائما مع سياسة الامر الواقع، فيما اصبحت المثالية فيما يبدو كلمة قذرة لدى المحافظين، لكنهم يجب ان يعترفوا بأن ريغان تفوق في الجمع بين البراغماتية والتمسك بالمبادئ. ويبدو ان بوش الآن يتبع خطى معلمه.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»