«لا» كبيرة .. برامج ريغان لم تسقط الاتحاد السوفياتي

TT

تثير وفاة الرئيس الأميركي رونالد ريغان نهاية هذا الأسبوع في نفسي حزمة من الذكريات في ضوء كل ذلك الزخم الذي صاحب سقوط الاتحاد السوفياتي، بعد اكماله لرئاسته الثانية عام 1988، وتولي نائبه الرئيس بوش الأب رئاسة جديدة هي التي شهدت سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1989.

بين تلك الذكريات التي لا تسقط بالتقادم، والتي رفعتها مجددا وفاة ريغان، التأويل السياسي الذي ذهب الى أن بناءه العسكري ضمن عقيدته العسكرية التي قالت بمبادرة الدفاع الاستراتيجية (SDI) والتي حملت لاحقا مسمى (برنامج حرب النجوم) قد كانا محوريين في اسقاط الاتحاد السوفياتي. ولعلي أذكر هنا ما قلته عام 1995 في مناسبات عدة بأن قرار الرئيس ريغان بالمضي قدما بمبادرة الدفاع الاستراتيجية لم يكن حيويا في قراري لجهة علاقة جديدة مع الغرب. وأحسب هنا أن الذين ذهب بهم التأويل الى اعتبار أن الاصلاحات التي كنت قد قمت بها في الاتحاد السوفياتي، إنما كانت كنتيجة لتطبيق مبادرة الدفاع الاستراتيجية (الريغنية)، فإنهم يشوهون بمثل ذلك التأويل الصورة الحقيقية لما حدث، بل إنهم يقدمون أيضا درسا خاطئا للمستقبل وحركته.

فللتغييرات التي حدثت في الاتحاد السوفياتي أهميتها المحورية المستقلة، وللعلم، فقد استبقت أية تحولات في سياستنا الخارجية، لأننا كنا قد وجدنا أنه لزاما علينا أن نمضي بتقييم ناقد للنموذج الشيوعي الذي فرض على بلادنا والذي استمد استدامته في بلادنا بالقهر، فيما بدأت حركة الرفض له، في أوساط الشعب، وبمعطيات التقدم التكنلوجي، والتحسن الذي طرأ على المستويات التعليمية والاجتماعية في التصاعد. وقد أسهم التقدم على هذه الأصعدة في تشكيل رؤية ذهبت الى أن ذلك النظام إنما يقهر في الشعب روح المبادرة، وأنه، وتحت ظله غير قادر على التحقق من حقيقة امكانياته.

ولذلك، فأول نبضات الإصلاح كانت في الاتحاد السوفياتي نفسه، وفي مجتمعنا الذي لم يعد قادرا على التسامح مع فقدان الإصلاح، حيث لا يكون بوسع أحد أن يتحدث أو أن يختار حزبه الخاص، ومن هنا، فقد أصبح الحكم على ذلك النظام القهري، خاصة في عيون النخب والمتعلمين، بأنه قد وصل لنهاياته أخلاقيا وسياسيا. ومن هنا نشأت حالة من (الانتظار) استصحبت (مخاضا) جعل روسيا أقرب الى إمرأة حامل. ومن بعد نضج ظرف اللحظة ليعطي الشعب حالة من تقديم الممكن. ولم يكن أمامنا من طريق الا أن نقدم ذلك الممكن من (أعلى) لأن المبادرات من (تحت) كانت ستعني انفجار السخط والاحباط. ولعمري فهذا هو العامل الحاسم في سقوط الاتحاد السوفياتي وليس حرب النجوم أو مبادرة الدفاع الاستراتيجية.

بين تلك الذكريات أيضا، ذلك المشهد الدرامي الذي جمعني مع الرئيس ريغان يوم أن أتى الى برلين وقال لي بعبارته الشهيرة التي دخلت التاريخ ودخلنا بها معا فيه، وأعني عبارته: (مستر غورباتشوف، حطم هذا الجدار)، وأقول أن ريغان بعبارته لم يكن على تناقض مع قناعاتي بأي شكل محوري. وكما يقول المثل الروسي: (لا يمكنك انتزاع الكلمات من الأغنية)، ولكني لم أستلطف استخدام ريغان لمهارات الممثل السينمائي فيه والباسها على تلك العبارة. لأن تلك العبارة لم تساعد، على صعيد جبهة روسيا الداخلية، في تلطيف مناخ المواجهة في ذلك الوقت، فيما أثارت المتشددين في موسكو. ومع ذلك، فلا أنكر أن ريغان قد لعب دورا بارزا في تقليل التوترات التي صاحبت محادثات التسلح في ريغكجافيك وغيرها، وعلى العكس، فأنا أقدر أكثر دور جورج بوش الأب، والذي قال يوم أن كان رئيسا، إنه لا ينوي أن يقوم بدور مماثل لما قام به ريغان مع واقعة حائط برلين فيقوم بالرقص على ركام الحائط، ومن هنا فقد كان بوش على علم بأنه ليس في مصلحة القضية أن يحاول أن يفقأ عيوننا بإصبعه.

* رئيس الاتحاد السوفياتي السابق، والمقال مأخوذ من استرجاع لناثان غاردر رئيس تحرير غلوبال فيو بوينت لمقابلتين له مع غورباتشوف من باب التوثيق لوفاة ريغان (خاص بـ «الشرق الأوسط»)