هدى الرشيد.. السعودية التي رددت ثلاثة عقود «هنا لندن» ..!

TT

هدى الرشيد تعيش بلادها، المملكة العربية السعودية، أجواء الحوار الوطني الثالث حول المرأة، فكان من المناسب أن نعرض لنماذج لسيدات سعوديات، قدمن خدمات جميلة لوطنهن، بعيدا عن التظاهر والأضواء.

يركز هذا المقال على صوت نسائي عربي، يصافح أسماع المستمعين العرب من إذاعة لندن صباحا ومساء، منذ ثلاثة عقود، وكانت أول مذيعة سعودية، ظهرت على شاشة تلفزيون الرياض لتقديم نشرة الأخبار بالعربية، صيف عام 1974. لكن الحديث عنها لا يكتمل دون التذكير بوالدها، الشيخ عبد المحسن الصالح (الرشيد)، الذي اشتهر بتولّيه بلدية الرياض عام 1950، خلفا لرئيسها احمد خليفة النبهاني، وسلفا لرئيسها محمد حسن أخضر، وذلك إبان عهد الملك عبد العزيز رحمهم الله جميعا، ثم التحق بوزارة المواصلات مكلفا ولفترة طويلة، بملف إعادة تشغيل الخط الحديدي الحجازي (الذي كان يربط اسطنبول في تركيا بالمدينة المنورة عبر سوريا والأردن، أكمله الأتراك في حدود عام 1908)، ثم خرّبه أتباع الثورة العربية بقيادة لورنس عام 1916، وقد استقر الشيخ عبد المحسن في سوريا فترة طويلة، وتزوج منها، ورزق بأولاده الصغار (فهد ونايف). وكان خلال عمله في وزارة المواصلات وبعده، قد توثّقت صلته بالأديب السعودي الراحل محمد عمر توفيق، الذي ظل وزيرا للمواصلات منذ عام 1962، ثم أضيفت إليه أعباء حقيبة وزير الحج والأوقاف مدة ثماني سنوات إلى جانب عمله في وزارة المواصلات، حتى تقاعد وفقا لرغبته عام 1986، وقد توفي في الرياض سنة 1994 .

ولد الشيخ عبد المحسن الصالح ـ كما كان يعرف بهذا الاسم ـ في عنيزة في حدود عام 1920، من أم عراقية، وتوفي في ديسمبر 1989، مخلفا ـ من ست أمهات ـ سبعة أبناء هم: (صالح وفيصل وسليمان ومحمد وعادل وفهد ونايف) وأربع بنات هن: (هدى وليلى وهيام وروعة)، وكان أخوه العميد رشيد الصالح الرشيد قد تولى شرطة أبها بمنطقة عسير عام 1957، وهما أخوال اللواء المتقاعد (رجل الأعمال المعروف) ابراهيم المالك وإخوانه. أما أسرتها (الرشيد) فتنتمي إلى عبد الله بن رشيد، الذي تولى ـ لفترتين ـ إمارة منطقة عنيزة بالقصيم إبان الدولة السعودية الأولى، وهو من قبيلة سبيع، أي انه ليس من أسرة آل رشيد الشمرّية المعروفة في حائل. ولدت هدى عبد المحسن الرشيد في القاهرة من أم سعودية من آل غالب (أشراف الطائف)، وحصلت على الثانوية من بيروت، وعلى البكالوريوس من جامعة بكنجهام (1992)، ثم على الماجستير من لندن عام (1993) وعلى شهادة ماجستير أخرى في اللغويات (1995)، من مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية، التابعة لجامعة لندن، وهي تحضر الآن للدكتوراه في مجال الإعلام.

بدأت حياتها العملية في مطلع السبعينات إعلامية متعاونة مع إذاعة جدة، كما شاركت في تحرير جريدة عكاظ بين عامي 1971 و 1974، ثم ارتحلت إلى بريطانيا لتعمل منذ ذلك الحين في القسم العربي من هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، ولتواصل تحصيلها العلمي، وقد أسهمت بنشاطات إذاعية وصحافية أخرى، وكان لوجودها مع زملائها الإعلاميين العرب دور هادئ جيد لتصحيح بعض المفاهيم والمعلومات الخاطئة عن القضايا العربية. جربت حظها مع التجارة ولم توفق، وقد ألفت عدة روايات منها: غدا يكون الخميس (1975)، والعبث (1980)، والطلاق (1993)، تولت دار روز اليوسف نشرها جميعا. وهي إعلامية عربية رائدة، شقت طريقها بعصامية وعزم وتصميم، وتكبدت المشاق لإكمال دراساتها العليا، وصمدت في ظروف الغربة، لتثبت كفاية الفتاة السعودية في منبر إعلامي محترم، محافظة على رصانتها ووقارها وسمعتها، بعيدا عن ابتذال الفضائيات، ومتمسكة بعزة نفس متناهية، دون مظاهر أو أضواء أو استعراض.

* كاتب وباحث سعودي في الإعلام