لماذا الخوف العربي من الإصلاح؟

TT

يقول الفليلسوف البريطاني إشعيا برلين: «الظلم والفقر والعبودية والجهل، يمكن القضاء عليها بالاصلاح أو الثورة. غير ان الانسان لا يعيش فقط بمواجهة الشر، بل عن طريق الاهداف الايجابية، الفردية والجماعية، والعديد منها يصعب التكهن به في ازمنة متضاربة».

لماذا ينظر أغلب السياسيين العرب الى الاصلاحات من منطلق الخوف؟ لماذا ينظر اليها الكثيرون باعتبارها وسيلة مراوغة من الغرب لتخريب الاسلام وفرض قوانين غير مطلوبة وغير مقبولة من العرب؟

انني عربية واعتز بعروبتي، ولكن تثير غضبي المحاولات المتعمدة لوقف مطالب الاصلاح في العالم العربي بحجة انها مطالب غربية للقضاء على تقاليدنا وثقافتنا.

ما هو الخطأ في وجود دستور لا يتغير ارضاءً لحاكم؟ أين الخطأ في فرض حكم القانون وإلزام الجميع به، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي والسياسي؟ ما الخطأ في ضمان الحقوق المدنية لكل عربي؟ وما الخطأ في حصول كل عربي على التعليم المجاني الذي توفره حكومته، وكذلك الرعاية الاجتماعية التي تتكفل بها الحكومة؟ ما الخطأ في انتشار حرية التعبير، ثم ما هو الخطأ في ان تكون حكوماتنا مسؤولة امأمنا؟

كلما اثير موضوع الاصلاحات، يبادر اغلب المسؤولين العرب الى ترديد وتكرار الحجة القائلة بأن الشعوب ليست قادرة على فهم الديمقراطية وممارستها، او ان الامر استغرق مئات السنين في الغرب لتطوير الفكر الديمقراطي. في رأيي ان الشطر الاول من تلك الذريعة اهانة لنا كعرب، أما الشطر الثاني فهو، بصراحة، ليس سوى ذريعة للحفاظ على الوضع الراهن.

لقد تمكنت بعض الدول العربية من تشييد مدن عصرية بكل معنى الكلمة، تنتشر فيها احدث التقنيات. وقبلت كل الدول العربية تقنيات القرن الواحد والعشرين الآتية من الغرب، سواء كان ذلك الهاتف الجوال أو الطائرة أو التلفزيون أوالكاميرا أوالملابس أوالأفلام أو الموسيقى. فلماذا كان القبول بكل تلك السلع الاستهلاكية الآتية من الغرب ممكنا، بينما الاصلاح السياسي مرفوض؟

الواقع انه اذا كان في مقدورنا التنقل بحرية من الخيمة الى المباني المتقدمة، يمكننا إذن ان نبدأ الاصلاح الذي سيضمن لنا حقوقنا الاساسية. طبعا لا بد من الاعتراف بوجود عرب كثيرين ما يزالون يعيشون في الخيم، الا ان ذلك ليس من اختيارهم، بل هو نتيجة لسياسة عربية غير فاعلة تتجاهل المشردين بصورة متعمدة.

لقد ادعت معظم الاوساط السياسية العربية، مرارا وتكرارا، انه اذا ما طبقت الاصلاحات، وسُمِح بتشكيل الاحزاب السياسية، فإن ذلك سيؤدي الى استيلاء المتطرفين على السلطة، الامر الذي سيؤدي الي طرح اسئلة حول سبب هذا الاستيلاء. ترى، لو حصل ذلك بالفعل، هل ان السبب هو فشل الحكومات في تحسين حياة الشعوب؟ أم هل لأن النظم المعمول بها فاسدة؟ أم أن السبب يرجع الى ان الجماعات المتطرفة ساهمت في اشياء تتحمل مسؤوليتها الحكومة؟

حقا لماذا تجاهل احتياجات المواطن؟ لماذا غياب السياسة التعليمية والصحية الشاملة والتي لا تعتمد على المحاباة؟ اين المثقفون العرب، لماذا لا يُسمع صوتهم؟

لماذا يمكن انتقاد السياسة الأميركية والبريطانية في الشرق الاوسط في وسائل الاعلام العربية، بينما من شبه المستحيل طرح اسئلة مشروعة حول السياسات العربية في وسائل الاعلام؟

انني لا اقول ان الغرب عالم مثالي، وان نظمه السياسية وقوانينه مقدسة، او انها الأفضل. اطلاقا، بل هناك في كل يوم العديد من القضايا التي تعكس امثلة صارخة على اساءة استخدام العدالة، كما انه من السذاجة الادعاء ان «الواسطة» غير موجودة في الغرب. كل هذا صحيح، غير ان هناك مسؤولية فردية وجماعية من قبل الحكومات الغربية لخدمة مواطنيها.

ألا تعتقدون انه من المخجل انني كعربية احمل جنسية اوروبية، لدي الحق في طلب مساعدة عضو البرلمان عن الدائرة التي اعيش فيها، او مساعدة طاقم سفارتي عندما اكون خارج بريطانيا، ولكنني كمواطنة عربية سأدق على ابواب مغلقة؟ فكروا في الامر.

* كاتبة فلسطينية