الأمل من السودان

TT

معظم الاخبار الواردة من منطقة الشرق الاوسط هذه الايام بدءا من مسلسل الارهاب الى الوضع الملتهب في الاراضي الفلسطينية وفي العراق، والتعثر الذي اصبح سمة مميزة لاقتصادات الكثير من دول المنطقة لا تسر.

الانباء الوحيدة الايجابية المقبلة من المنطقة جاءت من السودان الذي وضع اقدامه على اول طريق انهاء الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد لاكثر من 30 عاما ذهب ضحيتها نحو مليوني قتيل وذلك بعد ان توجت المفاوضات الشاقة التي جرت بين الحكومة السودانية وحركة قرنق في الجنوب باتفاق اطاري انهى 90% تقريبا من مشوار اتفاق سلام يتضمن وقفا دائما لاطلاق النار.

ولان احداث المنطقة كثيرة هذه الايام ومتلاحقة فان الانجاز السوداني لم يحظ بحقه الكامل من الاهتمام في المنطقة العربية المشغولة بهموم عديدة، لكن الاتفاق الذي ابرمه السودانيون له اهمية كبرى بالنسبة الى المنطقة كلها لاعتبارات عديدة.

فهناك اولا الدرس المستخلص منه بان النزاعات مهما كانت مريرة ودامية وطويلة، وطالما انه لا يوجد طرف يستطيع تصفية الطرف الاخر نهائيا، وهو أمر مستحيل في عالم اليوم، فانه لابد ان يصل المتقاتلون الى نتيجة حتمية في النهاية، وهي ان يجلسوا على طاولة المفاوضات ويحاولون عبر تسويات وتنازلات من هنا وهناك ان يصلوا الى حل مقبول لمشاكلهم، وبحيث لا يشعر طرف انه خسر في الاتفاق النهائي.

ثانيا انه اذا كانت الاطراف الخارجية ذات العلاقة بالنزاع ليست لديها مصلحة في ان يستمر الاقتتال فانها تستطيع عبر وسائل كثيرة ان تمارس دورا ايجابيا في المساعدة على ايجاد الحلول واقناع المتصارعين بان يوقفوا نزيف الدماء ويتفرغوا لبناء مستقبل افضل مشترك لهم.

ثالثا ان الحرب الاهلية داخل أي بلد لا يمكن ان يكون فيها طرف خاسر واخر رابح فالكل فيها خاسر، ونتيجتها هي الخراب والفقر والمجاعات، والتجربة السودانية خير شاهد على ذلك.

البعض يقول في مجال تحفظه ان الشيطان في التفاصيل وذلك في اشارة الى بعض البنود الواردة في الاتفاقيات الموقعة على صعيد تقاسم السلطة والثروة خلال المرحلة الانتقالية بما قد يفتح الباب مستقبلا الى الانفصال، أو أن الطرفين تقاسما السلطة أو استأثرا بها على حساب بقية القوى في التركيبة السودانية.

وهذه مخاوف مشروعة لكن حلها ليس بالاقتتال واستمرار الحرب وانما بالحوار السياسي في مناخ السلام، وبالعمل على ان يتكون كل اطياف تركيبة المجتمع السوداني ممثلة في بناء مستقبل السودان. ولو نجح ذلك فان السودان سيكون قوة اقليمية يحسب حسابها في ضوء ما يملكه من فرص وامكانيات مادية وبشرية.