دفاعاً عن فقراء المنظمة

TT

كان الحاج امين الحسيني يدرك ان العصب الحقيقي للعمل القومي هو المال. ولم يكن في ذلك اختراع. فقد قال نابليون من قبله ان ثلاثة أشياء تربح الحرب، اولاً المال، ثانياً المال، وثالثاً المال ايضاً. وراحت المساعدات للحاج امين تتضاءل، وكان اخرها نحو 20 الف جنيه استرليني من باكستان. وعندما ادرك ان الينابيع قد جفت جاء الى بيروت وامضى فيها سنواته الاخيرة. وبعد الحاج امين عانى احمد الشقيري من المشكلة نفسها. ولما اوقف الصندوق الوطني الفلسطيني الدعم عنه، ادرك ان العزلة هي الباب الاخير. وتعلم ابو عمار من سلفيه ان يتمسك بسلاح المال. وقرار المال. وكانت الانتفاضة الاولى تكلف مليون دولار في اليوم. وقررت القمة العربية التكفل بالأمر. لكن فلساً واحداً لم يصل الى منظمة التحرير. وخاف ابو عمار ان تستنفد كل اموال المنظمة. فذهب الى صدام حسين. واعطاه 50 مليون دولار فوراً وتعهد له بأربعة ملايين دولار كل شهر. وهذا على ما اعتقد السر الاساسي في وقوفه مع العراق خلال غزو الكويت. وربما كانت هناك اسباب اخرى لكنني لا اعرفها.

الاقل حظاً بين الزعماء الثلاثة الذين تزعموا حركة النضال الفلسطيني المنظم، كان احمد الشقيري. كان خطيباً مفوها لكنه لم يكن سياسياً محنكاً. وكان مناضلاً صادقاً لكنه لم يكن يعرف انه حتى النضال يحتاج الى مناورات ومشاغلة والتفاف على الخصوم.

وتعرض الشقيري لحملات كثيرة، خصوصاً من العرب. وبالاخص من بعض التيارات الفكرية الفلسطينية. وفي جملة ما اخذ عليه في الغرب انه قال «اننا سوف نرمي اليهود في البحر». وتناقلت الصحف ثم الاجيال هذا الزعم. وقد فوجئت الاسبوع الماضي بأن يكون الزميل خالد القشطيني قد أخذ هو ايضاً بهذه الشائعة. وللزميل الكريم حقه وحريته في الرأي والموقف. وهو يمارس الاثنين بكل جرأة ادبية. لكنني اعرف من الاستاذ عبد المحسن القطان، الذي كان اقرب الناس الى الشقيري، ان الزعيم الفلسطيني الراحل لم يتفوه مرة واحدة بمثل هذا القول، لا في المجالس الخاصة ولا في العلن. وقد كانت لي حوارات عديدة ومطولة مع الرئيس الاسبق للبرلمان الوطني، حول مرحلة الشقيري وملامحها وبداية الاتصال مع ماوتسي تونغ وهي المحادثات التي كان فيها القطان الى جانبه.

ولم تصدر مرة عنه جملة او كلمة قريبة من هذا القول. وقد نُسِبَتْ الجملة نفسها الى الرئيس جمال عبد الناصر. وهو ايضاً لم يتفوه بها. وقال اشهر ديبلوماسيي بريطانيا المؤيدين للعرب كريستوفر ميهيو امام مجلس العموم قبل سنين، انه مستعد ان يدفع 5 آلاف جنيه جائزة لمن يثبت له ان عبد الناصر قال اي كلام من هذا القبيل. اننا نقبل احياناً بعض الاخطاء الشائعة في السياسة كما نتقبلها في اللغة. ولكن علينا نحن ان نكون اكثر انصافاً مع الشقيري لأن الذين قوَّلوه ما قيل لم يهدفوا الى الافتراء عليه وحده بل علينا ايضاً، ولعل الاحرى بي ان انتهز هذه المناسبة لكي ابلغ الزميل القشطيني تحياتي الدافئة، وانني اقدر باستمرار معاركه الانسانية ومختاراته الشيقة وجو المؤانسة الذي ينشره بطيبة وصدق.