هل فرغ أطفالكم من أداء واجباتهم المدرسية؟

TT

عندما كنت صغيرا، كان والداي يقولان لي: «افرغ من عشائك.. فالناس يتضورون جوعا في الصين». أما انا فأنتظر اليوم الذي اقول فيه لبناتي: «إفرغن من واجباتكن المدرسية.. فالناس في الصين يتضورون جوعا لوظائفكن».

طرأت لي هذه الفكرة وأنا في زيارة لداليان، المدينة الساحلية في شمال شرقي الصين، وهي مدينة جميلة، ليس فقط بالمقاييس الصينية. فشوارعها الواسعة وساحاتها الخضراء وجامعاتها وكلياتها الفنية وميدانها الكبير للبرمجيات «السوفتوير»، تجعلها مدينة متميزة حتى في وادي السيليكون الأميركي.

وتعتبر داليان رمزا للمدن الصينية التي تحتضن الأعمال والاستثمارات كمراكز للمعرفة، وليس فقط كمراكز للصناعة. فهي لا تصنع الأحذية وحدها، بل تستقبل شركات مثل مايكروسفت وديل وساب وسوني، والتي شيدت مراكز لها لإمداد السوق الآسيوي، بالاجهزة والبرمجيات.

قال وين ليو، مدير مشروعات شركة «دي إتش سي»، وهي أكبر شركة محلية بداليان، إذ ارتفع عدد موظفيها من 30 إلى 1200 في ست سنوات:

«أحضرت عددا كبيرا من الأميركيين إلى داليان. وقد اندهشوا جميعا للسرعة التي ينمو بها الاقتصاد الصيني في مجال التقنيات العالية. الأميركيون لا يعرفون الحجم الحقيقي للتحدي الذي يواجههم. ولكن لدي ثقة كافية بالأميركيين وأعتقد أنهم سيواجهون التحدي».

ونسبة لأن اليابان استعمرت هذه المنطقة من الصين في النصف الأول من القرن العشرين، فإن كثيرا من سكان داليان يتحدثون اليابانية. ونسبة لقربها من اليابان ووفرة الباندويدث بشبكة الإنترنت، واتساع الميادين وخاصة ميادين الغولف، التي تجتذب عمال المعرفة، فإن داليان أصبحت بانغالور الصين. فقد أصبحت موضعا لأجنبة الموارد بالنسبة للشركات اليابانية الراغبة في استغلال القوى العقلية الصينية الرخيصة نسبيا. وتستطيع الشركات اليابانية أن توظف ثلاثة من موظفي البرمجيات الصينيين بما يعادل أجر موظف ياباني واحد، ويتبقى لديها مع ذلك ما يمكن أن توظف به عددا من عمال التحويلات الهاتفية، بأجر شهري ابتدائي مقداره 90 دولارا.

ومع أن اليابان ما تزال هدفا للكراهية لانتهاكاتها الفظيعة أثناء الحرب، إلا أن ذلك لا يمنع الشباب الصينيين من العمل مع الشركات اليابانية حتى يصعدوا إلى الدرجات الدنيا من سلم التقنيات العالية. والمعروف أن هناك حاليا 2800 شركة يابانية افتتحت مراكز في داليان.

قال عمدة المدينة زيا ديرين: «لدينا 22 جامعة وكلية بها 200 ألف طالب». ويتخرج أكثر من نصف هؤلاء بدرجات في الهندسة أو العلوم، وحتى أولئك الذين لا يتخرجون من هذه المساقات يوجهون إلى قضاء عام في دراسة الإنجليزية وعلوم الكومبيوتر، أو اليابانية». وأضاف العمدة:

«بدأت الشركات اليابانية بإنشاء مشاريع تجميع هنا. ولكنها انطلقت من هنا لإنشاء مراكز الأبحاث والتنمية وتطوير البرمجيات. وفي خلال العام او العامين الماضيين، حاولت شركات البرمجيات الأميركية أجنبة البرمجيات من الولايات المتحدة إلى مدينتنا». ويتفهم عمدة المدينة بصورة جيدة قانون السوق الحر إذ يقول: «قانون اقتصاد السوق هو أنه إذا كان هناك موقع تتوفر فيه الموارد البشرية والعمل الرخيص، فإن من الطبيعي أن تنتقل إليه رؤوس الأموال. في البداية عمل الصينيون موظفين لدى الشركات الأجنبية. ولكن بعد عدة سنوات، وبعد أن درسنا كل العمليات والخطوات، أقمنا شركاتنا الخاصة. وستسير صناعة البرمجيات في نفس الاتجاه.. في البداية سيتجه شبابنا إلى العمل مع الأجانب، ثم نقيم شركاتنا الخاصة بعد ذلك.

والعملية شبيهة بتشييد البناء. فأنتم اليوم، كأميركيين، تقومون بدور المصممين والمهندسين، بينما تقوم الدول النامية بدور البنائين الذين يضعون الطوب. وآمل أن نكون المهندسين والمصممين في يوم من الأيام».

ولا شك أن الصينيين يؤمنون بأن من الحتمي أنهم سينتقلون من مرحلة أجنبة الموارد إلى مرحلة التصميم، ولكن مسؤولا صينيا كبيرا يعمل في مجال التخطيط العلمي، يعتقد أن هذه المهمة ليست سهلة. وقد قال لي زو كوانجدي، رئيس الأكاديمية الهندسية الصينية، إن من شروط تقدم الصين «أن نبتدع كثيرا من المنتجات الفكرية الخاصة بنا». أما بالنسبة للبرمجيات، فيقول إنهم يحتاجون إلى «تحسين المقدرة الإبداعية للجيل الجديد»، مما يقتضي تغييرات كبيرة في النظام التعليمي الصيني القائم على الاستظهار والحفظ. ويقول إن المسؤولين الصينيين يفكرون في هذه التغييرات في الوقت الحالي. ولن أراهن ضدهم.

هل فرغ أطفالك من أداء واجباتهم؟

* «نيويورك تايمز»