نصيحة سياسية.. من الـ«سي آي إيه»

TT

إن يضع «مسؤول كبير» في وكالة الاستخبارات المركزية (C I A ) كتابا ينتقد فيه تعامل إدارتي كلينتون وبوش مع تهديدات أسامة بن لادن، وهو لا يزال في الخدمة الفعلية، ويستخلص فيه بان الولايات المتحدة «تخسر» الحرب على الارهاب وان احتلال العراق عزز موقف اعدائها عوض اضعافه...

وان توافق الـ«سي اي ايه» على نشر الكتاب بشرط إبقاء اسم مؤلفه «مكتوما» ـ وان كان معروفا منها حسب ما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الاميركية الاسبوع الماضي ـ حدث خارج عن المألوف في مجريات الاستخبارات الاميركية وربما تاريخها حتى الآن.

هل هو مجرد رد من الـ«سي اي ايه» على تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الاميركي عن أحداث 11 سبتمبر، الذي لم يوفر نقدا الا ووجهه اليها في صفحاته الاربعمائة... أم بداية «غسل يد» مسؤولي الـ«سي اي ايه» من أسلوب تعامل إدارة جورج بوش مع الخطر الارهابي؟

صحيفة «النيويورك تايمز» تقول إن الكتاب ـ ومؤلفه ما زال يحتل منصبا رفيعا في جهاز محاربة الارهاب في الوكالة الاميركية ـ «يوفر لمحة غير مألوفة عما يدور في خلد مدرسة فكرية داخل وكالة الاستخبارات الاميركية»، موحية بان اسلوب محاربة الارهاب كان عامل تباين ـ إن لم يكن خلافا ـ حتى داخل وكالة الـ«سي اي ايه».

الحديث عن «مدارس فكرية» داخل جهاز استخباراتي بعيد عن التعاطي السياسي ـ وبالتالي بمنأى عن المؤثرات الصهيونية ـ قد يكون جديدا ولكنه دليل آخر على أن الحرب على الارهاب، بعد أن اختلطت بالحرب على العراق، أقحمت العامل السياسي بالعامل الأمني بشكل يتطلب اعادة تقويم واقعية لاولويات واشنطن.

ولأن اللجوء الى هذا الاخراج غير الاعتيادي لنشر كتاب المسؤول الرفيع في الـ«سي اي ايه» قد يكون مؤشرا على نفوذ هذا المسؤول، واستطرادا على رجوح كفة «المدرسة الفكرية» التي تقف وراءه داخل الـ«سي اي ايه»، تأخذ استنتاجات المؤلف أهمية سياسية خاصة يزيد من شأنها توقيت صدور الكتاب عشية حدثين أميركيين مقبلين: انتخابات رئاسية تحتل حرب العراق موقعا محوريا فيها، وتعيين رئيس جديد للـ«سي اي ايه» خلفا للرئيس الحالي «المستقيل»، جورج تينيت.

أبرز استنتاجات الكتاب ملاحظتان لا يخفى بعدهما السياسي:

* التأكيد ان «المسؤولين الاميركيين يرفضون تقبل البديهي. «اننا نحارب تمردا اسلاميا عالميا ـ وليس إجراما أو إرهابا ـ وسياستنا واجراءاتنا فشلت في أن تحقق أكثر من خدش متواضعmodest dent) ) في قوى العدو».

* وصف الخطر الذي تواجهه الولايات المتحدة بانه متجذر «في معارضة واسعة داخل العالم الاسلامي لسياسات اميركا وتصرفاتها».

من المعروف أن القوانين التي تطبقها وكالة الاستخبارات الاميركية على جميع العاملين في أجهزتها تفرض حصولهم على موافقة الوكالة المسبقة على اي كتاب ينوون نشره، خصوصا إذا كانوا لا يزالون في الخدمة الفعلية. ومن الواضح ان الكتاب نال هذه الموافقة.

واللافت أن الموافقة تمت رغم أن موقف الكتاب واضح في اعتباره أنه «لم يكن بن لادن يأمل في شيء أفضل (له) من الغزو الاميركي للعراق».

ويلاحظ الكتاب ان واشنطن «خاضت نصف حربين فاشلتين وبعملها هذا خلفت في افغانستان والعراق مشاعر عداء عارمة للاميركيين وحقولا خصبة لترعرع القاعدة والجماعات المماثلة لها».

وتركيز الكتاب على ضرورة معالجة الجذور السياسية للارهاب ـ أو لبعض حركات المقاومة المسلحة التي أدرجتها واشنطن في خانة الارهاب ـ يوحي بان الادوار اصبحت مقلوبة في عهد المحافظين الجدد: المؤسسة الأمنية أصبحت الجهة الأكثر تحسسا للخلفية السياسية للارهاب... والمؤسسة السياسية الجهة الأكثر اعتمادا على المقاربة الأمنية في مواجهتها للارهاب.