بداية أشهر ستة

TT

أمام طبيب الأعصاب اياد علاوي ستة اشهر لكي يحقق المهمة المستحيلة قبل ان يدعى العراقيون الى الانتخابات اول العام المقبل. وواضح ان هذه الفترة قليلة حتى لو كانت معطاة الى خبير من خبراء الأمن والاستطلاع، ما بين المرحلة الحزبية مع صدام، والمرحلة المعارضة له والتعاون مع البريطانيين ثم مع الاميركيين في سبيل التغيير الذي لم يحدث إلا في حرب. لقد أبعد من طريق اياد علاوي احد ابرز منافسيه واحد اقرب اقربائه، احمد الجلبي. واظهرت الاحتفالات الرسمية وعملية التسلم والتسليم ان خيوط السلطة كلها موضوعة في يد رئيس الوزراء. وسارع علاوي فاعلن حالة الطوارئ بعدما سلمه ابو مصعب الزرقاوي المبررات على اطباق من دماء في كل مكان.

وقد يكون ابو مصعب الزرقاوي هو حقاً ذلك الأردني القادم من الزرقاء، وقد لا يكون. فربما كان ايضا مجموعة من المتناقضات يحلو للناس ان تسميها باسم واحد او يحلو لأصحابها حصر توكيلها. وقد تكون البيانات التي توقع باسمه يطيب لها الاسماء المستعارة. لكن المؤكد انه منذ صعود نجم الزرقاوي وخليته في العراق، قلت اخبار اسامة بن لادن وشرائطه وكذلك الحكم الفلسفية التي يوزعها ايمن الظواهري، على بعض فضائيات التنوير والاصلاح والتقدم.

إذن، الزرقاوي هو اليوم الخصم الأول لطبيب الأعصاب. فقد انصرف مقتدى الصدر، من جانبه الى البيانات الصحفية وبعض مناوشات التذكير. والاحزاب الشيعية والكردية الرئيسية ضمن السلطة. ولا بد ان شيئاً من «البعث» يقف ايضا مع السلطة، اما لأسباب بقائية بحتة او من اجل عدم البقاء خارج النظام المعاد تشكيله الآن. واللافت ان قوى كثيرة من معارضة الخارج التي عادت بعد سقوط صدام حسين لم تعد في الصورة الآن. فهي اما انتحت او غادرت من جديد. كما ان هناك عددا كبيرا آخر لم يعد في الأساس. فهل سوف تظهر هذه القوى والشخصيات من جديد؟ أم ان العائدين هم فقط ورثاء العائلات السياسية الماضية كالباجه جي وعلاوي نفسه والجلبي والياور وسواهم.

طوال ستة اشهر سوف يكون كل شيء عمليا، في يد اياد علاوي، الرجل الذي ارسل صدام لاغتياله في لندن اواخر السبعينات، لكنه خرج من بركة الدماء حياً بعدما ظنت فرقة الاغتيال انه قد نزف حتى قضى. وسوف يكون في يده موازنة بالمليارات لاعادة تنظيم الجيش والأمن وكل شيء آخر. وسوف تجلب له هذه الصلاحيات من الموالين قدر ما تجلب له من الاعداء. وعندما يدخل في التفاصيل والتعيينات الادارية، سوف يكتشف ان اقرب الناس الى السلطة هم الحواجز الحقيقية. لن يكتفي احد بشيء مهما اعطي. والمواجهة العسكرية مع خصومه سوف تظل اكثر قوة وقساوة ما لم يستطع الذهاب في خيوط الأشياء حتى آخرها. فالزرقاوي ليس فردا بالتأكيد. وهناك قوى كثيرة لا تزال تعتبر انها قد سُبقت الى السلطة، وانه اذا لم تتخذ حيزها الآن فلن تتخذ مكانها ابدا.

هل تكفي ستة اشهر؟ هل يقول اياد علاوي في نهايتها، انه ملتزم بالموعد؟ واي عراق يسلم؟ هل يمكن ان تنتهي كل هذه الفوضى او ان تهدأ في مثل هذه المهلة القصيرة جدا؟ الواضح ايضا ان الانتحاري الذي قرر الوقوف في وجه صدام حسين ثم قرر ان يعمل على خلعه ثم قرر ان يتولى كرسيه بعد ذهابه، ليس رجلا يستسلم بسهولة. ولا يسلم بسهولة ايضا.