هل يخسر بوش؟

TT

لا بد أن نفرق بين التمنيات والحقائق كما هي، وما نراه الآن فريق غاضب من جورج بوش يعلن متمنيا ومتعجلا المؤشرات بأن الرئيس سيهزم رغم انه بقي اربعة اشهر على موعد الانتخابات الاميركية. وكل من يعرف شيئا عن المألوف في الانتخابات يدرك كم هو خطأ الاستنتاج المبكر، سواء بالاعتقاد ان بوش سيربح او يخسر. فالساحة الشعبية الاميركية صعبة ومتقلبة المزاج رغم كثرة قراءة المؤشرات وجس نبض الشارع على الدوام حول شعبية المرشحين، بخلاف اوروبا التي تتجذر فيها الانتماءات الحزبية وبالتالي يسهل استقراء النتائج مبكرا جدا.

ومن الواضح ان المتلهفين على رؤية بوش مطرودا من جنة البيت الابيض عقابا له على طرد صدام من قصوره يستعجلون اعلان النتائج ويتمسكون بقشة أمنية التغيير السياسي مع التغيير الرئاسي، واضعين بيضهم في سلة المرشح الديموقراطي جون كيري. ولو افترضنا ان بوش خسر، وهو أمر وارد بطبيعة الحال، فإن كيري لن يكون حليف هؤلاء بل أغلب الظن انه سيكون بوشا آخر خاصة في قضايا ثلاث. فهو لن يهادن القاعدة بل سيستمر في محاربتها، والثانية لن يتخلى عن دعم نظام بغداد الجديد بالقوة والدبلوماسية معا، على اعتبار ان سقوط العراق سقوط للنفوذ الاميركي لاحقا، والثالثة لن يجبر الرئيس المقبل اسرائيل على انسحاب اسرائيلي خارج مفاوضات مماثلة لما سبقتها. وبالتالي كل ما يمكن ان يكسبه هؤلاء من مجيء كيري التشفي بمشاهدة بوش حازما حقائبه راحلا من مقر الحكم فقط.

ولو راجعنا أسلوب التفكير المتكرر عند بعضنا في كل زمن انتخابي اميركي لرأينا تركيزا يضخم دور شخصية الرئيس في القضايا العربية جازمين أصحابه بأن الرئيس الحالي أسوأ في معاملته للقضايا العربية من الرئيس المقبل. تاريخيا قيل هذا ضد جيمي كارتر، رغم انه كان اكثر الرؤساء الاميركيين حماسا لحل النزاع العربي الاسرائيلي ثم تأسفوا عليه بعد قدوم رونالد ريجان الذي قيل عنه الأمر نفسه. ووصم خلفه جورج بوش بأسوأ الاوصاف، ثم تأسف المحللون العرب بعد تولي بيل كلينتون الحكم الذي أشاروا إليه بأنه اكثر رئيس اميركي وظف يهودا كمساعدين له في البيت الابيض وبالتالي اكثرهم انحيازا لاسرائيل. وبعد ان جاء بوش الابن عض المحللون العرب اصابعهم وشاع بينهم مدح كلينتون آسفين عليه وذامين بوش. سلوك التفكير هذا لم يعد غريبا على عين الراصد، او حتى القارئ العادي، وهو يعكس سذاجة تصوير السياسة في الخارج او يعبر عن العجز الداخلي في المنطقة الذي ينشد دائما الحل من وراء الحدود.

وعودة الى معركة نهاية السنة الحالية فإن النتائج الاستطلاعية الحالية تشير الى تقارب في النتائج بين المرشحين الاثنين، وبالتالي ليس سهلا ابدا ان نجزم بمن سيكسب، ولنا في هزيمة بوش الأب عبرة، الذي منحته الاستطلاعات اعلى شعبية في التاريخ الاميركي ليسقط بعد أشهر سقطة قاتلة.

[email protected]