الهند والانتخابات والعالم

TT

طبقا لخطط اعلنتها الحكومة السعودية هذا الاسبوع، ستعقد المملكة اول انتخابات قبل نهاية العام. وبذلك تصبح السعودية الدولة رقم 75 التي تعقد انتخابات خلال العالم الحالي.

واذا سار كل شيء على ما يرام فإن مجموعة اخرى من الدول ولا سيما، افغانستان والعراق، ستعقد انتخابات هذا العام. كما سيشهد عام 2004 انتخابات الرئاسة الاميركية. وتمثل الدول التي ستعقد انتخابات هذا العام ثلثي البشرية. وقبل جيل من الزمن كان عقد انتخابات امرا شاذا، يتعلق بسدس سكان الكرة الارضية فقط.

ولم يكن عقد الانتخابات الاسلوب الاساسي لاختبار ارادة الشعوب او اجراء تغييرات سياسية. فحتى السبعينات كان معظم انصار التغيير يحلمون بثورة كلاسيكية كوسيلة لاجراء التغييرات. وفي عديد من دول العالم الثالث، كانت الوسيلة الرئيسية، ان لم تكن الوحيدة، لاجراء التغييرات والحكومات هي عبر الانقلابات العسكرية.

وتشمل الوسائل الاخرى لتغيير الانظمة تدخل الجيوش الاجنبية كما كان الحال في كمبوديا تحت الخمير الحمر، واوغندا في ظل عيدي امين. (تحرير العراق الاخير عن طريق التحالف بقيادة أميركا مثال لمثل هذا الاسلوب من تغيير الانظمة.)

ومنذ انهيار الامبراطورية السوفياتية وانتشار الافكار الديمقراطية عبر العالم، اصبح عقد الانتخابات الشكل الرئيس للتعبير السياسي في كل دولة تقريبا من الدول الاعضاء في الامم المتحدة وعددها 191 دولة. وفي الوقت الراهن توجد مجموعة دول لا تتعدى أصابع اليدين ترفض اجراء الانتخابات مثل كوريا الشمالية وليبيا.

ويتفق الناس من كل ظلال المنظور السياسي على ان الدولة تحقق الشرعية الكاملة من خلال تأييد مواطنيها عبر الانتخابات. واليوم فإن كل اتفاقية لإنهاء حرب اهلية تصاغ على اساس تعهد بعقد انتخابات، وتعترف كل حكومة تمر بأزمة حول الشرعية بأهمية الانتخابات كوسيلة لاسترضاء معارضيها.

ولكن هل عقد انتخابات اكثر من مجرد طقوس سياسية في معظم البلاد؟ الاجابة تحمل الايجاب والنفي.

فالقول بنعم يكون في حالة الدولة التي توجه الانتخابات بطريقة تؤكد سيطرة مؤسسة الحكم على السلطة والمميزات. ولكن حتى تلك الدول، يمكن اعتبار عقد الانتخابات فيها افضل من لا شيء.

ويقول تي اس كريشنا مرثي المفوض الرئيسي للانتخابات الهندية الذي اشرف على اكبر انتخابات في التاريخ: «الحكومات التي ترتب الانتخابات لخدمة مصالحها تصبح ضعيفة، على المدى المتوسط والطويل. ويعرف الناس بطريقة او اخرى ما اذا كانت الحكومة قد زورت الانتخابات ام لا».

وكنت قد التقيت بمرثي على الغداء قبل يومين وسألته إن كانت الانتخابات الهندية، وهي الأكبر في التاريخ من حيث عدد الناخبين، مستوفية للشروط من حيث الحرية والعدالة. وعندما يتعلق الأمر بالانتخابات فإن مرثي يقسم العالم إلى أربع مجموعات. المجموعة الأولى تضم بلدانا مثل أستراليا ونيوزيلاندة، والدنمارك وهي التي تجري «أفضل وأنظف انتخابات في العالم». ثم هناك أكثر قليلا من عشرين دولة «من الديمقراطيات العريقة»، ومن ضمنها بعض دول الاتحاد الأوروبي، وكندا، وهذه يمكن وصف انتخاباتها بأنها «نظيفة وعادلة ولكنها ليست خالية من النقائص». ويضع مرثي الهند في هذه المجموعة.

والمجموعة الثالثة هي التي يقول عنها مرثي أن انتخاباتها، ربما تكون مثيرة للجدل أحيانا ، ولكنها ينبغي أن تعامل على أساس أن «مستواها مقبول» وتقع كثير من الديمقراطيات الجديدة في شرق أوروبا، وأميركا اللاتينية وأفريقيا في هذه المجموعة. وأخيرا هناك مجموعة من الدول «تعد فيها الانتخابات إعدادا» لتحقيق أهداف مسبقة للمؤسسة الحاكمة.

ويمكن للمرء أن يضيف مجموعة خامسة تجري فيها الانتخابات لحسم خلافات داخل المؤسسة الحاكمة. ففي إيران على سبيل المثال لا يسمح بترشيح أفراد خارج المؤسسة الحاكمة. ولكن رغم ذلك فإن الانتخابات الإيرانية هامة لأنها تمكن المؤسسة الحاكمة من حسم خلافاتها دون اللجوء إلى العنف. ولكن مرثي يلاحظ حراكا من أسفل القائمة إلى أعلاها. وهذا يعني أن عددا متزايدا من البلدان التي تجري انتخابات صارت تعني بما هو أكثر من مجرد طقوس سياسية مفرغة من المعنى.

وفي أكثر من 74 بلدا جرت الانتخابات فيها هذا العام، إما فقد الحكام القدماء مواقعهم في السلطة أو عادوا إليها باغلبيات أقل. وفي بعض الحالات جاء الناخبون بنتائج أدهشت الجميع ولم يكن يتوقعها أحد. ففي اسبانيا أسقط الناخبون حكومة يمينية ناجحة لأنهم اعتقدوا أنها كذبت عليهم في قضية الإرهاب. وفي الهند أسقط الناخبون حكومة ناجحة أخرى لأنهم شعروا بأنها أصبحت مغرورة وفاسدة.

وربما يستغرق الأمر جيلا كاملا أو أكثر ليستبين الناس أن الانتخابات وسيلة ناجعة لتبادل السلطة. وفي بعض الحالات يستفيد الحكام فعلا من انتصار المعارضة. فالسلطة ترهق أولئك الذين يمارسونها، وتجفف طاقاتهم الإبداعية وتقلل من حماسهم. وفي الديمقراطيات الأكثر نضجا فإن الأحزاب التي تفقد السلطة، غالبا ما تعود إليها وهي أكثر عنفوانا، مشحونة بأفكار جديدة وبرنامج جديد تقدمه للناخبين.

ويلاحظ مرثي كذلك أن بعض النظم التي تعادي الانتخابات من مواقع أيديولوجية بدأت تغير مواقفها. فالصين على سبيل المثال قد أبدت «بعض الاهتمام» في دراسة نظام الانتخابات الهندي وسترسل فريقا من عندها ليقف على الكيفية التي أجريت بها الانتخابات الأخيرة.

وإجراء انتخابات لا يعني بالضرورة ترجمتها الى حكومة للشعب. وفيما لا توجد ديمقراطية دون انتخابات، يمكن ان تكون هناك انتخابات دون ديمقراطية. السؤال المهم في كل ذلك هو ما اذا ستكون الانتخابات وسيلة لتجنب العنف والنزاع السياسي والحرب الاهلية.

يقول مرثي ان اجابته على هذا التساؤل هي «نعم» ولكن مع شيء من التحفظ.

يشارك المجتمع الدولي الآن في ازمات في حوالي 66 دولة. اذ ان إدارة هذه الازمات تطلبت نشر المجتمع الدولي لقوات قوامها عشرات الآلاف ، وينفق اموالا طائلة على مهام حفظ السلام. وفي كل هذه الحالات كان إجراء انتخابات حرة ونزيهة افضل سبيل لإنهاء الازمة.

ولكن كيف نعرف ان هذه الانتخابات او تلك نزيهة؟

من ضمن السبل الاستعانة بمراقبين، كما ظل يحدث في الجزائر منذ عام 1996، او الاستعانة بمنظمة الامم المتحدة لتولي مسؤولية العملية الانتخابية بكاملها مثلما حدث في تيمور الشرقية بعد الاستقلال.

إلا ان افضل السبل للتأكيد على حرية ونزاهة الانتخابات هو اجراؤها بواسطة منظمة دولية مثل الامم المتحدة. اذ ان إجراء الانتخابات على هذا النحو سيضمن نزاهتها والوثوق فيها من جانب المتنافسين، سواء كانوا تنظيمات او أفرادا، إلا ان الانتخابات تكون مفيدة فقط حال قبول الخاسر لنتيجتها النهائية، ولا يحدث ذلك إلا إذا كان للطرفين الكاسب والخاسر على حد سواء ثقة في المنظمة التي تدير هذه الانتخابات.

الى ذلك فمثل هذه المهمة تترك في بعض الدول للجان الانتخابات التي تكون عادة مستقلة عن الحكومة، وفي دول اخرى قد تتدخل المحكمة العليا لتكون لها الكلمة الاخيرة في النتائج المختلف حولها، إلا ان الهيئات والمنظمات الخارجية التي لا مصلحة لها ولا غرض في نتيجة الانتخابات تكون لها سلطة اكبر في الإقرار على نتائجها.

وأخيرا، فمن المتوقع ان تتم دعوة الامم المتحدة خلال الاشهر القليلة المقبلة للإشراف على انتخابات افغانستان والعراق، باعتبار ان نجاح هذه الانتخابات سيعطي دفعة للمطالبة بإنشاء لجنة انتخابات دولية تكون مستقلة حتى عن الامم المتحدة وعن لعبة السلطة والنفوذ.