لا تؤجل عملية اليوم إلى غد

TT

الأطباء، رجالا ونساء، ذوو علم ومعرفة، ولكن الحكمة ليست في ميزاتهم. نصحوا صديقا لي قبل سنوات بتأجيل عملية جراحية. قالوا له، طالما لم تكن ضرورية فالأفضل تأجيلها للمستقبل. والآن اصبحت ضرورية. فذهب اليهم لاجرائها. فاعتذروا وقالوا آسفين. حالتك الصحية الآن وحالة قلبك لا تسمح باجرائها. والرجل يعاني أوجاعا مستمرة عليه ان يتحملها بصبر. وهذا ما خلصت اليه. قالوا بالأمس لا تؤجل عمل اليوم الى غد.وأقول بل لا تؤجل عملية اليوم الى غد. وهذا مثال على ما يفتقر اليه الاطباء من حكمة. فقد فوتوا على انفسهم اجرة العملية وفوتوا العملية على مريضهم.

الكثير من اصحابي الآن يعانون من شتى العلل، منهم صديقي ابو حسين الذي يعاني من حصاة في المرارة. ولا يستطيع الجراحون اسعافهم باجراء العملية اللازمة بسبب عمرهم وتدهور صحتهم. وهذا ما توصلت اليه من المعرفة واخذت اهتم به الآن بعد يأسي من الاهتمام بأمورنا الوطنية. فأمورنا السياسية اصبحت هي الأخرى حالات لا يمكن القيام بأي عمليات لها.

فما لاحظته بنتيجة هذا الاهتمام، اننا في الحقيقة نحمل في ابداننا كثيرا من الاعضاء التي لا لزوم لها وتكلفنا صيانتها وادامتها كثيرا من المتاعب والنفقات بدون غرض أو مبرر. وهو ما يذكرني بمصلح الآلات الكاتبة في بغداد. اخذت له يوما آلتي الكاتبة لتصليحها. أصلحها واعادها الي مع اربعة براغ زائدة. سألته عنها فقال: هذي براغي زايدة. قلت له: كيف يعني شركة اولمبيا الالمانية المشهورة تضع براغي في الطابعة بدون لزوم؟ قال: نعم بدون لزوم. جربها واكتشف. وجربتها وقامت بعملها لعدة سنوات بدقة اعظم بدون هذه البراغي الاربعة تماما، مما يثبت ان تقنية الحيدرخانة في بغداد اكثر تقدما ودقة من معامل اولمبيا وكروب في المانيا.

وهذا ما ينطبق على جسم الانسان. فالزائدة الدودية والمرارة واللوزتان كلها لا لزوم لها. ونستطيع ان نعيش بكلية واحدة، ورئة واحدة ونرى بعين واحدة ونسمع بأذن واحدة ولا حاجة للثانية مطلقا. انها مثل العجلة الاضافية في السيارة. تستطيع ان تسوق سيارتك بدونها لمئات الاميال. المهم ان هذه الاعضاء الاضافية قد تسبب لك كثيرا من المشاكل في الكبر وفي وقت يصعب على الاطباء التخلص منها.

ولهذا فالعاقل اللبيب هو من يبادر الى ازالتها في شبابه وهو في كامل القوة والعافية وبكلفة أقل. سرطان الرئة من أكثر الامراض خطورة، لكن بازالة واحدة من الرئتين في زمن الشباب تكون قد خفضت احتمال الاصابة بهذا المرض الخبيث بنسبة 50%. يصدق مثل ذلك على الكليتين، بل على المصارين ايضا. فالمعروف ان طول الامعاء الدقيقة يقرب من ثمانية امتار. ويتفق معظم الاطباء على ان هذا يتجاوز ما يحتاجه الانسان من مصارين بدليل انهم ازالوا من اخي مظفر رحمه الله كمية كبيرة من مصارينه في شبابه وعاش في تمام الصحة حتى توفاه الله بمرض آخر لا علاقة له بالمصران. بالامكان تفادي التهاب الامعاء وسرطان المصارين الدقيقة والغليظة بنسبة النصف لو اننا فقط بادرنا للتخلص من ثلاثة أو اربعة امتار منها في مقتبل العمر.

ولهذه العمليات التخلصية فوائد أخرى، فبالتخلص من كل هذه الاعضاء الاضافية تكون قد تخلصت من كيلوغرامين أو ثلاثة كيلوغرامات من اللحم فتعيش وانت خفيف الوزن مرتاح البال وتطعم كلبك وقطتك بها، فلا أحلى على القطط من أن تأكل طحال أو كلية سيدتها مقلية بالزبدة.

الحقيقة التي يجهلها اكثرنا هي الرأسمال الكبير الذي نحمله في جسمنا. فمثلا بامكاننا ان نبيع كليتنا الاضافية بعشرة آلاف دولار وأكثر لأحد الاثرياء المحتاجين لكلية. وبهذا يستطيع الشاب ان يستثمر المبلغ بدلا من تركه عاطلا في بطنه. يستطيع ان يفتح به متجرا أو يشتري بيتا أو يتزوج به ـ وهو الأرجح في رأيي ـ ارملة غنية غبية فلا يواجه الفقر والحاجة، ويضطر للعمل في الصحافة. واذا تعطلت كليته في الكبر فهي تشتري له واحدة بديلة.

www.kishtainiat.com