لون الظلم

TT

صدرت «الشرق الأوسط» امس وفي صدر صفحتها الاولى صورة بالألوان لطابور طويل من مشردي وجائعي دارفور. لكن ليس هناك من صحيفة او صورة في العالم تتسع لمليون مشرد ونازح. ولا هناك تقرير انساني يمكن ان يصف لنا حال الاطفال والامهات والبكاء والظلم والجريمة الموصوفة. ويؤسفني شديد الاسف، ان تكون صحافة العالم قد تعاطت مع كارثة دارفور على انها قضية انسانية تعني مئات الآلاف من المعذبين، في حين تصّر الصحافة العربية على انها قضية سياسية، وقد آلمني، شخصيا، مقال للاستاذ فهمي هويدي، خلاصته ان اسرائيل هي التي اثارت قضية دارفور، واستند في ذلك الى مقال لكاتب سوداني لم يكن قد اسعدتني المعرفة بمعرفته. ويسامحني الاستاذ هويدي، انني شعرت ككاتب عربي بالاهانة. فلست ادري لماذا نحيل كل قضية بشرية انسانية على اميركا واسرائيل، وماذا يمنع الكتّاب العرب من اتخاذ موقف انساني الى جانب الضحية. وهل يلغي الظلم اللاحق بالفلسطينيين، ان هناك ظلما للآخرين ايضا؟ ما هي حلبجة بالمقارنة مع دارفور، سوى انه استخدم فيها السلاح الكيماوي؟ وما هي قسوة وفظاظة حلبجة امام هذه الفظاظة «اليدوية» اليومية؟ ولماذا تكون اسرائيل وراء تفجير القضية ما دامت الحكومة السودانية اقرت بها، وما دامت الامم المتحدة ادانتها، خوفا من ان تقع في خطأ الاهمال الذي وقعت به في رواندا. وماذا عن قرار القمة الافريقية وموقف الجامعة العربية في المسألة؟ هل كل ذلك يجعل من دارفور اختصاصا اسرائيليا ومسألة تثيرها اسرائيل؟ لماذا نصر ان نلصق كل موقف انساني باسرائيل ونصّر على عدم الاعتراف بالكوارث البشرية المعادية للانسانية؟

هناك مليون قتيل حي في دارفور. وهناك الوف القتلى غير الاحياء. وعلى كل انسان في العالم ان يستنكر هذه المجزرة «التي لم تصل الى حد الكارثة» كما اكتشفت قمة الوحدة الافريقية. ومن اجل ان نخدم قضية فلسطين يجب ان نتعاطف مع كل قضية مشابهة في الارض. هكذا كان يفعل الفلسطينيون عندما كانوا حركة وطنية لم تفقد وعيها بعد. وعندما كان همهم الاكبر العودة، لا محاولة اغتيال نبيل عمرو. لقد وقف الفلسطينيون مع كل حركة تحرر وطني في افريقيا واميركا اللاتينية. وارسلوا الى حركات التحرر سفراء ومدّربين وحتى مساعدات مالية وسلاحا. فقد كانوا يعتقدون، عن حق وعن ذكاء، ان الظلم البشري واحد والحل الانساني واحد. ولا لون معينا للظلم او للضحية، ولا هوية. ولا فرق بين ظالم وآخر الا بسلاح الاستبداد والطغيان والاستقواء.

انني اضم صوتي الى صوت الزميل احمد الربعي في مطالبة الكتّاب العرب بتثبيت الموقف الانساني حيال القضايا الصارخة. الضحايا لا ان نحصيهم بل ان ندافع عنهم. و«حد الكارثة»، مثل الكارثة نفسها. واذا كان اهل دارفور حقا متمردين فما هي حركة التمرد التي تبرر تشريد مليون انسان وتجويعهم وسرقة املاكهم وانعامهم واطلاق اطفالهم هاربين هائمين في الغابات؟

ادعو الله ان يحمي جميع الناس، وخصوصا جميع العرب، من شر التشرد والنزوح القسري. لكن نحن في لبنان عشنا هذه الحالة طوال عقدين. وشهدنا الميلشيات تنكل في البشر وترغمهم على ترك بيوتهم واملاكهم. ولا نريد هذه المذلة لأحد، خصوصا للمساكين الذين لا يملكون حتى القدرة على الهرب دون مجاعة.