قباطنة

TT

وصل اربعة من الجيل الشاب الى الحكم في وقت واحد تقريبا: الملك محمد السادس والرئيس بشار الاسد والملك عبد الله الثاني والملك حمد بن عيسى. ثلاثة من انظمة ملكية وواحد من نظام رئاسي. ثلاثة دون الاربعين والشيخ حمد فوقها. دولتان على حدود اسرائيل وفي قلب فلسطين. ودولة في قلب الخليج. ودولة في المغرب الاقصى تخلت، او علّقت دورها المركزي في الحوار العربي ـ الاسرائيلي. ثلاثة ورثوا رجالا تاريخيين جاءوا من العاصفة وأطفأوها: الحسن الثاني، الملك حسين، الرئيس حافظ الاسد. والرابع ورث اميرا طيبا كان شعاره «رحم الله امرأ عرف قدر نفسه».

كل واحد من الاربعة الكبار أخذ معه مرحلته التي اتسمت بالدقة والحرج. حافظ الاسد لم يستطع ان يعيد سورية الى صوابها وموقعها وحصنها الا بالتشدد. والحسن الثاني لم يستطع ان ينهي مرحلة الانقلابات والمغامرات الا بتفويض ادريس البصري. والملك حسين لم يشعر بالامان في عمان الا بعد سنوات طويلة من المحاولات والحروب والقنابل الموقوتة. والشيخ عيسى آل خليفة توفي وبعض الناس لا يزالون في السجون او في المنفى. لذلك كان اول ما فعله الشيخ حمد عقد المصالحة الوطنية، واغلق محمد السادس السجون الفظة والملعونة على الفور، لكنه فوجئ بالخلل الامني المتطرف. وأعاقت احداث الدار البيضاء مسيرة حثيثة نحو الحكم الدستوري، كما أعاقت احداث العراق مسيرة بشار الاسد. لكن برغم المستجدات تغيرت ملامح كثيرة مع الجيل الجديد. وشعرت دولهم وشعوبهم بحالة واضحة من الانفراج. وطلع بشار الاسد بسورية الى العالم، زائرا وباسما. وغير تغييرا جوهريا في خط السفر، عندما سجل زيارة اول رئيس سوري الى بيروت، ومن ثم الى انقرة. الجارة الصغيرة والجارة الكبيرة. وفتح ابواب المصالحة مع العراق. وترك المعارضة السورية تتنفس في صحف لبنان والصحف العربية الاخرى، بعدما كان الكلام ممنوعا حتى في المناشير السرية.

الإرث يعني الاستمرارية. لكنها استمرارية في التطور وفي النمو. وبرغم الفترة القصيرة الفاصلة فإن سمات حمد بن عيسى ظاهرة في وضوح في البحرين، سياسة واقتصاداً وعناية اجتماعية. ومحمد السادس الذي اختار ان يكون لقبه الملكي استمرارية محمد الخامس، يقود كالربان الماهر دولة من 25 مليون نسمة ما بين المتوسط والاطلسي وليس من السهل على احد ان يرث ثلاثة رجال تاريخيين مثل الحسن الثاني وحافظ الاسد والحسين بن طلال. لقد ابحروا في اصعب وادق واعقد مراحل الامة. كل على طريقته، وكل بأسلوبه. وكل بما يلائم مناخه وبلده والمعطيات السياسية حوله. واجهوا اشد الخصوم وتجاوزوا اصعب الازمات والحروب وركبوا، جميعهم، العواصف، مثل فرس مدجنة. ولم يكن الارث سهلا على الاطلاق. لكن بشار الاسد يثبت، يوما بعد آخر، انه قبطان واسع المعرفة بالمناخات الجغرافية والمعابر التاريخية. ومحمد السادس يدير في هدوء مسيرة المغرب المترامي والمتعدد. وعبد الله الثاني يتجاوز بعناية الازمات التي تواجهه في الداخل، خصوصا في ضوء الواقع العراقي. اما حمد بن عيسى فينصرف الى توطيد الاسرة البحرينية. وقد شعرت بفرح شديد عندما استوقفني احد المنفيين السابقين في احد المجمعات التجارية الكبرى وسألني بعفوية: «أراك عندنا». فقلت له «لقد سبقتني. كنت أريد ان اقول لك ذلك».