البالونة

TT

أرهقت البدانة ـ أي السمنة ـ أحد الأصدقاء إلى درجة أنه أصبح كالبالونة المنتفخة بعكسي أنا تماماً، حيث أنني بالونة فعلاً لكنها (فاشوش) ـ أي غير منتفخة، أعود للمنتفخة ـ أي صديقي ـ وأقول: إنه كان كثيراً ما يتشكّى من سمنته، خصوصاً إذا صادف أن مرّ أو جلس أمام مرآة ـ لا (امرأة)، أردت أن أوضح ذلك لكي لا يلتبس هذا الكلام على القارئ.

أعود مرّة ثالثة (للمنتفخ) وأقول: انه بقدر ما كان يتذمر من شكله، بقدر ما كنت أنا مستلطفاً ضخامته التي تضفي عليه كثيراً من خفّة (الطينة) ـ أي الدم ـ وكنت أخشى أنه لو فقد تلك الضخامة سوف يفقد معها خفة دمه، وهي الميزة الوحيدة التي يملكها.. لهذا كثيراً ما كنت أحاول أن أقنعه أنّ شكله رائع، وأن أكثر النساء في هذه الدنيا يحببن الرجل (التخين الملزلز)، وأرجوه أن يعضّ على سمنته بالنواجذ ولا يفرّط بها، فهي التي تعطيه الكثير من المهابة، خصوصاً في الليالي المظلمة.. لكن (ما فيش فايدة).

وفي أحد الأيام اتصل بي تليفونياً، وكانت نبرة صوته سعيدة، وقال: لقد سمعت عن طبيب زائر مختص بعلاج السمنة، وسوف أذهب إليه، وأريدك أن ترافقني، فقلت له: سمعاً وطاعة، أنت (تأمر)، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله، والله يعينني.

اغلقت السماعة، وبحثت عن ملابس تسترني، وما هي إلاّ دقائق، وإذا بجرس الباب يدق، وقبل أن أفتح الباب سمعت صوته وهو في الخارج (يفح) من شدة الحماس، أو من تعبه عندما صعد ثلاث درجات.. تركته متعمداً يضرب الجرس لمدة خمس دقائق من دون أن أرد عليه، لأنني أردته أن ينضح تحت الشمس مزيداً من العرق لكي يفقد على الأقل ربع كيلوغرام من وزنه الذي احسده عليه، وأخيراً خرجت له ووجدته مبتلا فعلاً من كل جهاته الأربع.

ركبت معه في سيارته، وطوال الطريق كنت أمدّه بمناديل (الكلينكس)، إلى أن توقفنا عند عيادة الطبيب، وسار أمامي (متفاحجاً)، وأنا خلفه (كصبي المقاضي).

لا أطيل عليكم، دخلنا إلى العيادة، وقابلتنا ممرضة، كأنها خارجة لتوها من مرض السل، أصابع يديها معروقة ومرتجفة، وعلى رأس أنفها (دمّلة) بحجم حبّة الحمّص، أخذت تبحث برهة في دفتر المواعيد، ثم أشارت لنا بالجلوس في غرفة الانتظار، واستمررت أنا بمده أيضاً بمناديل الكلينكس، وكأن لا شغلة ولا مشغلة لي غير هذه الشغلانة المهبّبة.

وبعد برهة أشارت لنا الممرضة المسلولة بالدخول.. وأول ما طلبه الدكتور منه أن يخلع شماغه وعقاله وحذيانه، وأن يفرغ ما في جيوبه، لكي يوقفه على الميزان، فقلت للدكتور: لماذا لا يخلع ثوبه ايضا؟! ضحك الدكتور وقال: هذا لا يهم فإنني اقدر وزن الثوب.. وعندما وقف صديقي (البالونة)، وإذا بالعدّاد يؤشر على (115) كيلوغراما، فصاح صديقي لا شعورياً قائلاً: من غير الممكن أن يكون هذا هو وزني، فرد عليه الدكتور بطريقة استفزازية: انظر إلى قدميك الضخمتين على الميزان، هل هما قدماي أم قدماك؟!.. عندها بالفعل أشفقت لأول مرّة على صديقي.

أعطاه الدكتور وصفات وملاحظات وبرنامجا محددا لعدّة أشهر، وآخر مرّة سألت (البالونة) عن وزنه، فقال لي إنه بلغ (120) كيلوغراما، فقلت له ثابر على علاجك، والله يفتحها في كرشك ـ اقصد في وجهك.