من المعتاد وغير الغريب أن يرى المسافر الكثير من أبناء العرب في دول العالم المختلفة والذين اصبحوا من سكان تلك البلدان وبالتالي باتوا في عداد المهاجرين. فهناك العديد من أبناء لبنان وسورية ومصر والعراق واليمن والجزائر والسودان وفلسطين والمغرب والصومال وتونس يقطنون في مختلف دول العالم ويعملون فيها بحثا عن الرزق والحرية.
ولكن الجديد والغريب هو رؤية أهل ومواطني الخليج العربي يهاجرون بحثا عن ذات الشيء، ويبدو أن هذا المشهد بات مرشحا أن يزداد في ظل الازدياد السكاني الكبير وتحديات خطط التنمية. وهناك عدد لا بأس به من السعوديين الذين هاجروا الى دول مختلفة من العالم كبريطانيا وأميركا وكندا وسنغافوره وماليزيا والبرازيل ومصر والامارات والبحرين وقطر ومصر وتركيا وفرنسا وغيرها ولهم في تلك البلدان نشاطات تجارية واقتصادية مختلفة أو استثمارات لقضاء فترة التقاعد وفي كل الاحوال يعتبر خروجهم خسارة للسعودية، فبالاضافة للنزيف المالي الذي تسببه خروج أرصدة هؤلاء من البلاد هناك أيضا نزيف الادمغة والعقول والافكار الذي يرحل مع أصحابها.
هذه الظاهرة لا تزال في مراحلها الاولى المبكرة ولا بد من التمعن فيها ودراستها والاستفادة منها جيدا وذلك بمعرفة أسباب هجرتهم وكيفية إعادتهم أو الحفاظ على الحدود الدنيا من العلاقة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية معهم.
جاليات الدول تلعب أدوارا مهمة لدولها في الخارج حيث يقوم بذلك أبناء الصين والهند وحضرموت والأرمن وغيرهم بجدارة. ومن غير المرجح أن نرى دائرة في السعودية للمهاجرين أو وزيرا لها قريبا، ولكن من المؤكد أن أعداد السعوديين الذين يفكرون ويقدمون على الهجرة لم يعد خيالا أو ظاهرة فردية، ومن المهم الاعتراف بها والتعامل معها والاستفادة القصوى منها.
السعوديون مثلهم مثل باقي الشعوب الارض سيسعى منهم من يسعى بحثا عن الفرصة الافضل، ولكن من الضروري التأمل في تلك الظاهرة، ولن يمضي وقت كبير قبل أن يكون مألوفا رؤية محلات سعودية خالصة في دول العالم المختلفة تقدم المأكولات الوطنية والمنتجات التقليدية مثلها مثل الجاليات العربية وغير العربية.
وسوف يكون من المتوقع بروز شخصيات سعودية في الخارج في مجالات مختلفة كالأدب والرياضة والفنون والاقتصاد وحتى في السياسية ولن تكون شخصية فريال المصري (السعودية المرشحة لمنصب نائب في كونغرس ولاية كاليفورنيا) هي الاستثناء، ولكن سيكون مثلها كثير.
هذا التصور اذا كان يبدو كالخيال اليوم فإنه سيكون واقعا طبيعيا قريبا جدا. هذه هي علامات التغيير وعلامات الانصهار في كوكب واحد. هذه هي علامات العولمة.