العراق وفلسطين

TT

الرأي العام العراقي الآن متبلور بصورة عامة ضد الفلسطينيين وفلسطين. يتهمونهم بأنهم تعاونوا مع صدام وما زالوا يؤيدونه. يتذكرون ايضا انهم عندما كانوا يعانون من البطالة والجوع والفقر كان هو يغدق عليهم بالعطايا. لقد هجر المواطنين بحجة التبعية واعطى بيوتهم للفلسطينيين. يعتقدون ان المسيرة الديمقراطية تعثرت بسبب القضية الفلسطينية وضاعت ارواح واموال كثيرة على مذبحها.

لي جانبي من الحكاية. فعندما فكر ناجي صبري الحديثي عندما كان ملحقا صحافيا في لندن بدعوتي للعراق في السبعينات، التمس من عبد الوهاب الكيالي، ان يدعوني. يا ويح نفسي! قلت: انا القشطيني ابن سوق الجديد وربيب الكرخ وجار الامام ابي حنيفة، يتكرم علي فلسطيني بدعوتي لبلدي!

للعراقيين شجونهم في هذا الموضوع. وطفحت شجونهم اخيرا في مقت اي شيء فلسطيني. كتبت بالامس ان الواجب والمصلحة يقتضيان من الفلسطينيين الآن الاعتذار للعراقيين عن تأييدهم لصدام وان يفتحوا صفحة جديدة ويهبوا لمعاونة اخوانهم في اعادة بناء العراق ليكون لهم وجودهم في الساحة ولا يتركونها فارغة لتتوغل فيها اسرائيل. لكن طبعا لقانون الاستمرارية قوته من ناحية ولملايين صدام في الخارج جاذبيتها من ناحية اخرى: واستمر النهج وتعاظم كره العراقيين للفلسطينيين.

الخطر الكبير هو ان يتطور هذا الكره الى التعاطف مع اسرائيل. حكايات وحكايات كثيرة تتردد في هذا الاتجاه. دعونا نفهم هذا الامر جيدا.

لكن هذا يجب الا يعمينا عن الحقيقة، وهي أن اسرائيل دولة انتهكت حقوق شعب ضعيف آمن ومارست العنصرية بحقه وارتكبت شتى الجرائم ضده وتجاهلت سائر القرارات الدولية بشأنه. من يسكت عن ذلك لا ضمير له. هذا شيء لا يقتضي ان تكون عربيا او مسلما او مسيحيا لتفهمه. ملايين الناس حول العالم يفهمون ذلك. كيف ارى الالوف من الاوروبيين يتظاهرون ويتبرعون ويجازفون بأنفسهم من أجل حقوق الشعب الفلسطيني وأنا اقف جانبا أتفرج وامدّ يدي لاسرائيل؟

يشير دعاة التطبيع الى مصر والاردن، وربما غيرهما، ويقولون لماذا يقتضي على العراق الا يقتدي بالمثل؟ هذا كلام سقيم. هناك حالة اضطرار من جانب مصر والاردن. وهي غير موجودة بالنسبة للعراق. ليس له حدود مع اسرائيل ولا اي شيء يريد استعادته منها. الحقيقة ان العراق سيخسر في اي صفقة تطبيع مع اسرائيل، فسيقتضي عليه دفع تعويضات لليهود الذين غادروا العراق.

وما الشدة يا رسول الله؟ ما الذي سنكسبه؟ يقولون ان الشركات الاسرائيلية ستساعد في بناء العراق وانهاضه. لكن لماذا اسرائيلية بالذات؟ هل ستقوم بعملها مجانا؟ كل شركات العالم تطمح للعمل في العراق. لماذا لا نكافئ اوروبا على وقوفها الجريء بجانب القضايا العربية ومسألة فلسطين؟

البلاد العربية تواجه مشكلة الفساد والرشاوى. وما من فنانين حاذقين في هذا المجال كرجال الاعمال الاسرائيليين. الشركات الاوروبية، من الناحية الاخرى، مقيدة الآن بشتى الانظمة المانعة للفساد العولمي.

واخيرا فإن اي نشاط اسرائيلي في العراق سيزيد من شأوة المقاومة ويعرقل سيادة الامن. العنصر الايجابي الوحيد في المعادلة هو ان مداهنة اسرائيل ستحظى برضى أميركا ودعمها. لكنها ستكون خيانة لضميرنا وانسانيتنا ووطنيتنا ان نسلم البلاد لقمة سائغة مجانية لمن ما زالوا يعبثون بحقوق وارواح اخوان لنا ولا يظهرون استعدادا كافيا لتحقيق سلام عادل.