الملل من أخبار العنف

TT

المتابع لأخبار منطقة الشرق الاوسط في وسائل الاعلام العربية والعالمية خلال العامين الاخيرين لا بد ان يصيبه قدر من الملل واليأس من هذه المنطقة التي لا تنتج سوى اخبار قتل وذبح وتفجيرات بدون أي افق لشيء مختلف يدعو الى التفاؤل.

فحتى الدخول الاعلامي العربي تلفزيونيا الى الساحة العالمية جاء

(بلا فخر) من خلال بيانات وشرائط تهديدات بتفجيرات، او بأشرطة اختطاف واعدام رهائن، وهي بدون شك تدخل في اطار السبق الصحافي لكنها ايضا تدعو الى الغثيان. اما شريط الاخبار او العناوين فهي عادة ما تكون بعنوان مقتل كذا او انفجار يحصد كذا قتيل وجريح، واصبحت كلمة مقتل تتكرر يوميا بشكل ملح، مع اختلاف العدد في كل مرة وليصبح العنف خبزا يوميا في ما يصل الى المتلقي العربي، او ما يصل المتلقي خارج المنطقة عن المنطقة.

واذا أجريت مقارنة بين اخبار العنف والقتل اليومية في المنطقة الان، ومثل هذه الاخبار قبل سنوات معدودة، أو في عقود سابقة، سنجد ان هناك تصاعدا كبيرا غير مسبوق للعنف سواء من حيث العدد او من حيث الرقعة الجغرافية، رغم ان العقود السابقة شهدت هي الاخرى أحداثا دموية وحروبا أهلية حصدت الكثيرين، لكن العنف الذي صاحبها لم يكن بهذه العشوائية التي نراها اليوم، او الاساليب العنيفة التي نشاهدها حاليا والتي تتجاوز بكثير حدود الانسانية.

مشكلة هذا العنف ليست سياسية او اقتصادية فقط، ولكن في اثرها النفسي والاجتماعي على المتلقي، فأخطر ما يمكن ان يحدث هو الاعتياد على العنف، ليصبح طريقة حياة، أو أمرا يمر الناس امامه مرورا عابرا، والاعتياد يمكن ان يأتي من خلال الضخ اليومي لمادة العنف في اذهان الناس وخاصة الاجيال الناشئة التي لا يزال يتشكل وعيها. واوضح مثال على ذلك ان ظاهرة الانتحاريين والعمليات الانتحارية أو التفجيرات العشوائية بدون تمييز أصبحت شكلا يجد قبوله لدى قطاعات من الرأي العام كأسلوب مقاومة، بينما كان ذلك قبل فترة زمنية ليست بعيدة أمرا غير مقبول ويتناقض مع أخلاقيات المقاومة نفسها التي تحصر أعمالها في أهداف عسكرية.

وينسى الذين يبررون او ينظرون للعنف العشوائي انهم يخسرون انفسهم قبل ان يضروا اعداءهم المفترضين لأن الاعتياد على الدم يخلق وحوشا يصبح من الصعب السيطرة عليها، وغالبا ما ينقلبون على مجتمعهم ويحولونه الى ساحة للصراع والدم.

عموما فإن ما يدعو الى التفاؤل هو ان الناس بدأت تتململ من اخبار هذا العنف ايا تكن مبرراته السياسية، وهو ما سيضع في النهاية منظريه واصحابه في عزلة تؤدي الى زوالهم مثل كل تيارات العنف العشوائي التي ظهرت سابقا في التاريخ، وهي نتيجة مؤكدة لسبب بسيط هو انهم لا يقدمون للناس سوى طريق الموت، بينما أصل الحضارة البشرية والانسانية هو العمل من أجل الحياة وازدهارها.