مجرد مُشاهِد

TT

كلما كان الأمر متعلقا بالرياضة البدنية، اتردد في الكتابة او احجم. حتى كمشاهد، أنا دون المعدل المطلوب. ولكن منذ ان عادت الأولمبياد الى أثينا، وأنا اتأمل في دورة هذا الكون، ومسار الحضارات، وانحسار الأمم ثم تجددها. واتأمل في صورة خاصة، وأنا اتعرق، هؤلاء الأبطال الذين بذلوا اقصى جهد بشري ممكن، وتدربوا الليل والنهار، وخضعوا لصفارات المدربين في البرد وفي الحر، ثم جاءوا الى هنا، من اجل ميدالية. مجرد ميدالية من معدن ما. اول، ثان، ثالث، الآخرون يعودون خاسرين. ومع ذلك يحاولون، ويتكبدون، ويصبرون، ويصمدون، وفي النهاية يقبلون الخيبة ويتقبلون الخسارة، ويعودون ابطالا بلا ميداليات.

المأساة التاريخية في العالم العربي، رفض المنافسة. فقد رأينا ان الحل الأمثل هو عبادة الشخص وقتل المجتهد. وعندما قبلنا فكرة «الرأي الآخر»، اعتبرنا ان ذلك يعني الاصغاء اليه من اجل تسخيفه او تسفيهه او ابادته. إما الانتصار وإما الموت. لا مساحة او فسحة للسعي والمحاولة واعادة المحاولة. كلما جلست اكتب، أرى نفسي اشعلت الضوء في صورة عفوية. حتى في النهار. فما هو الضوء؟ ما هو النور؟ انه ـ يقول كانط ـ الخروج من عتمة الذات. البحث عن الحقيقة خارج النفس، والرؤية الى عالم الآخرين. وكلما جلست تحت الضوء، افكر فورا في امتي. وافكر بمتعة ارتضاء العتم. واقرأ كل الاحصاءات الدولية فأجد اننا، جميعا، خارج الجدِّ والمنافسة ومعدلات التطور والنمو. يقول مارك براون، المدير العام لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي ان المنطقة العربية هي المتراجع الوحيد في جهات الأرض. كل جهة اخرى على الكوكب تعرف نسبة ما، من التقدم والنمو. نحن ننام. واليقظ منا يصرخ بأعلى صوت ممكن، داعيا الى النوم. كلما تأملت حال العالم، شعرت بحزن شديد وطويل الأمد. قبل اعوام قليلة فقط كانت اليونان تتوسلنا بضعة ملايين من دولارات الاستثمار. وكنا نرفض. شعر اندرياس باباندريو بالخجل وهو يعرض على شعبه ما عاد به من جولته العربية. اذهبوا الى اليونان اليوم. راقبوا موقعها في اوروبا. اقرأوا الاحصاءات عن ايطاليا او اسبانيا او حتى قبرص.

ولاحظوا ماذا تم في العالم العربي. توقفوا قليلا عند عدد الذين يهاجرون كل يوم. بأي وسيلة من الوسائل، كان نيكوس كازانثاركيس (صاحب زوربا) يكتب انه يقف على تلال «كريت» ويتطلع عبر البحر الى ليبيا. حاولوا مقارنة بسيطة بين ارقام الحياة في كريت وليبيا او الجزائر. لا مفر من متابعة الأولمبياد، وقد عادت الى منشئها وجذورها. فاخبارها تملأ نشرات الاخبار. وشبان العالم يتعرقون في العدو والركض والقفز والسباحة. بحثا عن ميدالية او مرتبة ما. وما يبدو انه امتحان الجسد هو في الحقيقة الامتحان الأعلى للنفس. اخضاعها للتجربة وتخييرها بين الكسل والفوز. بين الهزيمة والمحاولة، واعادة المحاولة. انها مهرجان سياسي مقنَّع. امم تتنافس على كل جهد، وثقافة تبسيطية ترى الفوز في نسف مقاعد القطارات المسائية.