عراق القومجية والأصوليين المتعصبين

TT

هدد احد مساعدي مسعود بارزاني، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، بإحراق آبار النفط في شمال العراق اذا لم يمنح الاكراد الفيدرالية التي يطالبون بها . اما احد مساعدي جلال طالباني، زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، فهدد بإغراق العراق في بحر من الدم اذا ما تعرضت حياة زعيمه الى الخطر.

هذا لم يحصل بالطبع لا في الاسبوع الماضي ولا في الاسبوع الذي سبقه، بل لم يحدث ابدا، منذ اندلاع اول ثورة كردية في عهد الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن الماضي، ان هدد أي مسؤول كردي عراقي، بإحراق آبار ومنشآت النفط العراقي التي كانت كلها تقريبا في مناطق الاكراد وكان الكثير من عمال هذه المنشآت هم من الاكراد. ولم يحدث ابدا ، ايضا، أن هدد أي مسؤول كردي بقتل مدني واحد من عرب العراق حتى حينما تعرض الاكراد الى الابادة الجماعية بالسلاح الكيماوي في مناطقهم وبالقتل والدفن الجماعي في صحراء غرب العراق. وعلى الدوام كان في وسع الاكراد ـ لو أرادوا ـ ان يحرقوا آبار النفط ومصافيه وانابيب نقله في الشمال ، وفي الجنوب لاحقا، وان يحرقوا المصانع ودوائر الدولة ، بل مدنا بأكملها ، وان يُغرقوا العراق في بحر من الدم على غرار ما فعل صدام حسين ، مثلا.

أكراد العراق لم يفعلوا هذا ، بل لم يهددوا به حتى، وهذه مفخرة كبيرة لهم.

الذي هدد باحراق آبار النفط في جنوب العراق هو مساعد للزعيم العربي (!) الاسلامي (!) مقتدى الصدر، معترفا بأن انصار هذا الزعيم هم الذين فجروا انابيب نقل النفط الى موانئ التحميل عند رأس الخليج. والذي هدد بإغراق العراق في بحر من الدم هو مساعد آخر لهذا الزعيم العربي (!) الاسلامي (!). وحصل هذا في الاسبوع الماضي والاسبوع الذي سبقه.

تخيلوا ان هذه التهديدات قد اطلقها مساعد لبارزاني او مساعد لطالباني. ماذا كان سيكون موقف القومجية العرب والاصوليين المتعصبين؟

كانوا سيقيمون الدنيا ولا يقعدونها.. كانوا سيملأون الفضاء ، الداخلي والخارجي، بصيحات السباب وصرخات التحريض ضد الاكراد جميعا وضد القومية الكردية . كانوا سيخلطون الكثير من الاكاذيب مع القليل من الحقائق المجتزأة من ظروفها في محاولة لإثبات ان أمة الكرد هي أسوأ أمة أُخرجت للناس وان الهزائم التي منيت بها الامة العربية والكوارث التي لحقت بها في العصر الحديث هي من صنع الاكراد «المتآمرين» مع الصهيونية والامبريالية... الخ، وليست من نتاج السياسات المتهورة والمواقف الصبيانية والشعارات الغوغائية للقومجية العرب والاصوليين المتعصبين.

هؤلاء القومجية والاصوليون لم تتحرك فيهم نقطة دم حار واحدة وهم يسمعون ويتفرجون على تهديدات مساعدي مقتدى الصدر باحراق ابار النفط ، المصدر الرئيس لقوت الشعب العراقي، وبتحويل العراق الى بحر من الدم، كما لو ان الشعب العراقي لا يكون شعبا مسلما وعربيا ولا العراق بلدا اسلاميا وعربيا ـ كما يحلو لهم ان يتغنوا ـ ما دامت تهديدات ـ بل أفعال ـ القتل والتخريب والتدمير تأتي ممن هو على شاكلتهم: صدام حسين من قبل ومقتدى الصدر من بعد.