هزيمة الصدر بداية لعهد جديد

TT

لا يخفى المنظر العسكري الجديد على احد مع دخول المرجع الديني اية الله السيستاني مدينة النجف وخروج مقتدى الصدر منها. هي نهاية فصل واحد مهم في معركة طويلة لبناء العراق الحديث. ميدانيا انتهت حركة التمرد معزولة في ركن صغير من المدينة الدينية التي اختارتها ساحة للقتال عندما زحفت بميلشياتها الى النجف معتقدة ان اي معركة فيها ستدفع المؤمنين الى الانحياز الى جيش المهدي لا جيش الرئيس علاوي. اختيار النجف تكتيكيا، الاهم روحيا، لا مدينة الصدر الممول الاكبر للميلشيات بالشباب، انتهى بتسليم المفاتيح للسيستاني والاسلحة للحكومة. ورغم ان مغامرة المكان كانت محسوبة عاطفيا الا ان النتيجة جاءت مخيبة للمتمردين لأن كل القيادات الشيعية الرئيسية في العراق وكذلك في ايران، باستثناء المرشد وآية الله جنتي، وقفت البقية ضدهم او محايدة في وقت قمعت الحركة بلا تردد.

ولو نظرنا الى الكيفية التي عولجت بها معركة النجف لرأينا فيها اسلوبا ليس ببيعد عما حدث في معركة الفلوجة التي انتهت بتسليم المدينة الى قيادة عسكرية قيل ان الاهالي يثقون بها. ولكن لأن قرار وقف اطلاق النار وتسليم ادارة أمن الفلوجة سبقا حسم المعركة فقد بقيت مظاهر المسلحين واستمرت معارك متقطعة وعجزت قيادة الامن المكلفة عن بسط سيادة الدولة، وهذا ينذر بمعركة كبيرة آتية في الفلوجة.

ولو دققنا ايضا في مسار المواجهة لوجدنا ان المراجع الشيعية ورموزها الاساسية لعبت دورا ايجابيا، فهي وان تركت مقتدى الصدر لمصيره، وبدا ذلك متعمدا، فانها تدخلت في اللحظات الاخيرة وحقنت دماء وحفظت مياه وجه واختتمت المعركة بصيغة فيها احترام للطرفين. فقد كان واضحا ان الحكومة ابطأت آخر يومين في المعركة في انتظار دخول صاحب المدينة المرجع السيستاني، تاركة الامر في يده بعد ان حسمت المعركة الاساسية.

هذا الانتصار الحذر للحكومة العراقية الذي انتهى عسكريا في النجف سيضعها في موقف أكثر صعوبة. ستنتقل الحرب من مكشوفة بين فئة لا تعترف بالسلطة وترفع السلاح في وجهها الى حرب مشروعة فيها تشكيك في شرعيتها وقدراتها وفعاليتها الادارية والسياسية. فالصدر وإن اختار خطأ المواجهة العسكرية ودفع الثمن في معركة النجف فقد بقيت امامه ساحة كبيرة مفتوحة يستطيع العراك فيها مدنيا، وسيجد الى جانبه جيشا أكبر من جيش المهدي بين الحانقين الذين لن يطيقوا الانتظار عشر سنوات جديدة حتى تكتمل اصلاحات مناطقهم الفقيرة او العيش بلا موارد مالية.

[email protected]