خذوا الحكمة من أهلها

TT

رغم كل ما جرى من خراب ودمار في النجف فإنها اصبحت تقريبا المصدر الحقيقي للعقلانية والحكمة في العراق. تمثل ذلك في دورها بإنهاء القتال وطرح فكرة اخراج القوات الاميركية من البلاد. غدت اسما على مسمى. المرجعية لمن يريد الرجوع للعقل والخير.

الفكرة بأن وجود القوات الاميركية ضروري لاستتباب السلام فكرة نقضتها الوقائع. اصبح استمرار بقائها سببا لاستمرار الاضطرابات. ولهذا السبب اسبابه. ارتكب الأمريكان اخطاء شنيعة في ادارة البلاد اعترفوا هم بها. ثانيا ان اسلوب تعاملهم مع الاحداث اثبت فشله. زاد الطين بلة سلوك عساكرهم الشخصي.

لم يتورعوا حتى عن سرقة البيوت التي يفتشونها ومعاملة السكان بغلظة وفظاظة. قالوا ان مكافحة الفساد هدف من اهدافهم في العراق، واذا بهم يخوضون في الفساد حتى الحزام، من شركاتهم الكبرى الى صغار عساكرهم الذين لم يتورعوا عن الرشاوى. والناس على دين ملوكهم. كيف ينتظرون من العراقيين ان يتورعوا؟ وراء كل ذلك، الشبح الاسرائيلي الذي لاح وراء كل خطوة من خطواتهم، بما فيها عملية الغزو.

اوضحت الاشهر الماضية ايضا، ان الوطنية العراقية والروح الاسلامية شيء حقيقي هناك لها جانبها واثرها. انا لست ممن يرى غضاضة في وجود قوات اجنبية في اي بلد اذا وجدت لخيره ولم تتعارض مع مصالحه. ولكن العراقيين ابدوا رأيا آخر وتمسكوا بقدسية تربتهم. قالوا كلا لأي احتلال اجنبي. ومن انا امام كل هؤلاء الالوف والملايين؟

القول الرسمي هو ان دولا اجنبية تمول وتشجع المقاومين المسلحين اذا صح القول، فالسبب الرئيسي لهذا التدخل هو خوف هذه الدول من وجود قوات اميركية على حدودها. الا يعني ذلك ان خروج هذه القوات سيلغي الحاجة لهذا التدخل؟ بل وربما يدفعها للتعاون مع حكومة عراقية وطنية بحق؟

هناك من يرى ان الحل يكمن في سحب هذه القوات من المدن وتجميعها في قواعد عسكرية. لكن لم هذه القواعد؟ وضد من؟ اي حكومة عراقية شريفة ستسمح لهذه القواعد بضرب دول الجوار او التدخل في شؤون البلاد؟ هذا ما فعله الانجليز في مصر والعراق. وظل الجلاء مطلبا للمواطنين حدا بهم الى اتهام حكوماتهم بالعمالة للاستعمار في اي اجراء يتخذونه، وادى الى اضطرابات مستمرة ثم الانقلابات لطرد المحتل. لن يهدأ العراق ما دام هناك جنود اميركان على ارضه.

اعود الى تصريحات المرجعية النجفية. ينبغي تجنب العنف في ارغام الاميركان على الجلاء. وللعراقيين سجل طويل في المقاومة السلمية. ستستغرق الحملة امدا طويلا، لكن هذا شيء مناسب، فخروج هذه القوات في الظروف الحالية ليس بالشيء الحميد. المطلوب الآن من واشنطن ان تتعهد رسميا بالجلاء قبيل نهاية 2005. المفروض ان تكون قد اعدت خلال ذلك ما يكفي من قوات أمن عراقية. وان يكون الامن قد عاد للعراق؟ واذا فشلت في كلا الفرضين فما الحاجة لهذا التنكجي الفاشل؟ وسيساعد مثل هذا التصريح في دعم المقترحات المرجعية لاخماد السيوف في قرابها واعادة السلام والطمأنينة لقلوب العراقيين.

www.kishtainiat.com