هدايا 11 سبتمبر لبوش وتحيزه ضد كيري

TT

لا يدور أفضل كتاب قرأته حول أميركا بعد الحادي عشر من سبتمبر، حول أميركا، ولا حول الحادي عشر من سبتمبر. والكتاب هو «الحرب قوة تمنحنا المعنى»، وهو دراسة في سايكولوجية الحرب قام بها كريس هيجز، المراسل الحربي القديم. ويوضح الكتاب، على نحو أفضل من أي تحليل لاستطلاع رأي أو مجموعة رأي، سبب تقدم الرئيس بوش في استطلاعات الرأي على الرغم من اخفاقات سياسته في الداخل والخارج.

ويقول هيجز ان الحرب تلعب دور بعض المحفزات الأساسية. ويقول ان «حافز التعمق في أي مجتمع، بما في ذلك مجتمعنا، يكمن في التوق الشديد لقضية قومية ترفع مكانتنا، قضية من النمط الذي يمكن للحرب وحدها أن تحققه». وعندما تستحوذ سايكولوجية الحرب يثق الجمهور، مؤقتا، بـ«الواقع الأسطوري «الذي يكون فيه بلدنا طيبا تماما، وأعداؤنا أشرارا تماما، وكل واحد لا يكون حليفنا هو عدونا». وتؤدي هذه الحالة الذهنية على نحو كبير لصالح أولئك الموجودين في السلطة.

ويصف جزء مثير من الكتاب رد فعل الأرجنتين على حرب الفوكلاند عام 1982 . فقد شن الجنرال ليوبولدو غالتيري، زعيم الطغمة العسكرية للبلاد، الحرب لإبعاد الجمهور عن أخفاق سياساته الاقتصادية. وقد فعل ذلك فعله: «فالطغمة، التي كانت على حافة الانهيار قبيل الحرب، سرعان ما اصبحت منقذة البلاد».

والمسألة هي انه ما أن تستحوذ سايكولوجيا الحرب على العقول، يريد الجمهور، وبإلحاح، أن يثق في زعامتها، وينسب السمات البطولية حتى الى الحاكم الأقل استحقاقا لها. ولم ينته الاعجاب القومي بتلك الطغمة الا بعد أن لحقت بها هزيمة مذلة.

وجورج دبليو بوش ليس غالتيري: فأميركا تعرضت، فعلا، الى هجوم يوم الحادي عشر من سبتمبر، وكان لأي رئيس أن يتخذ قراره بتوجيه ضربة مضادة الى طالبان، غير أن ادارة بوش، شأن الطغمة الأرجنتينية، حققت فائدة سياسية هائلة من حفز شعب في حالة حرب لتعبئته حول زعيمه. وربما كان لرئيس آخر، غير بوش، أن يمتنع من استغلال تدفق التأييد له من أجل مصالح حزبية، الا أنه لم يفعل ذلك. فخطوة بخطوة، أصبحت المعركة ضد القاعدة حربا عالمية ضد الإرهاب، ثم مواجهة مع «محور الشر»، ثم حربا ضد الشر في كل مكان، ولا يعلم أحد أين ستنتهي.

إلا أن الأمر الواضح هو انه كلما يتجه النقاش السياسي نحو سجل بوش الحقيقي في الرئاسة، تنخفض شعبيته. وعندما يجري تغيير الموضوع الى الحرب على الإرهاب وليس ما يفعله بالفعل بخصوص التهديدات الارهابية، الى «قيادته» بغض النظر عما يعنيه ذلك، ترتفع اسهمه في الاستطلاعات.

لقد أكد مؤتمر الأسبوع الماضي ان بوش ينوي استخدام ما تبقى من صورته البطولية لكسب الانتخابات، وتشير الاستطلاعات المبكرة الى ان الاستراتيجية ربما تنجح، فماذا يمكن ان يفعل جون كير؟

إعداد حملة تتعلق بالقضايا الداخلية فقط لن ينجح. تجب محاسبة بوش على سجله السيئ في العمل، والرعاية الصحية والبيئة. ولكن كما كتب هيجز، عندما تؤدي سيكولوجية الحرب الى دفع الرأي العام للاعتقاد بقيادته «لا يوجد منطق أو حقيقة لتغيير تلك الخبرة». ولذلك، ولتحقيق النصر، يجب على حملة كيري اقناع قطاع كبير من الناخبين بأن «رئيس مرحلة الحرب» ليس قائد حرب فعالا، ولكنه يقوم بهذا الدور على شبكة الهاتف. وتتميز هذه التهمة بأنها حقيقية. ومن الصعب العثور على محلل لشؤون الأمن القومي غير حزبي، يحتفظ بكلمة جيدة بخصوص سياسة إدارة بوش الخارجية، والعراق بصفة خاصة كارثة تتحرك ببطء ناتج عن طريق التفكير الرغبوي والمحسوبية وعدم الكفاءة.

من جانبي، وإذا كنت أدير حملة كيري مثلا، لكنت ذكرت الناس بصفة مستمرة بصورة بوش عندما اعلن نهاية الحرب، فيما الواقع يقول إنها مستمرة بلا توقف. وقد انخفضت التغطية الإخبارية لأنباء العراق في الآونة الأخيرة بعد تسليم السيادة المزعوم يوم 28 يونيو، ولكن العديد من الجنود الاميركيين ماتوا منذ تسليم السلطة بنفس عدد الموتى الذين قتلوا قبلها.

وأود الاشارة الى انه في الوقت الذي بذل فيه بوش كل جهد ممكن للإعداد للهبوط فوق حاملة الطائرات، تلقى ايضا تدريبا على الحياة تحت الماء، في حمام سباحة البيت الابيض، غير انه لم يستعد للأشياء المهمة، مثل تأمين وإعادة بناء العراق عقب سقوط بغداد. فهل ستنجح حملة كيري؟ لا أدري. ولكن يجب على كيري لكي ينتصر ، محاولة نسف الأسطورة التي خلقها مستشارو بوش بجهد كبير.

*خدمة «نيويورك تايمز»