لخاطر السماء أطلقوا سراحهم

TT

لا أدري إن كانت كلماتي هذه ستأتي بعد أن تكون السكين قد سبقت العذل. ولكني سأقولها.

تعددت الآراء والاجتهادات بشأن هوية الخاطفين وانتماءاتهم ومخططاتهم وأهدافهم. لا أريد أن أهيب بهم باسم القيم السامية للإسلام والإيمان، ولا باسم الإنسانية، ولا باسم سمعة العرب والمسلمين. هذا كلام سمعوه مرارا من قبل وما زالوا يسمعونه. ولكنني أريد أن أهيب بهم باسم المصلحة. مصلحتهم هم ومصلحتنا جميعا كعرب وكعراقيين وكمسلمين.

لا شك أن الكثير من هذه الفئات يعجبون بصدام حسين. إذن فاتخذوا منه هذا الدرس الذي أتقن استعماله بذكاء ولوذعية، وهو تقسيم صفوف الخصم، وضرب عدو بعدو واتباع مبدأ «عدو عدوي صديقي» ونحو ذلك من التكتيكات السياسية المعروفة التي ساعدت صدام على البقاء في الحكم 35 سنة.

أصدقاؤنا في العالم قليلون، ويقلون من يوم إلى يوم، ويقلون بسبب تعسفنا في معاملة رعاياهم. لا تقولوا وشنو يعني، وماذا يهم. هذا تفكير الجهلاء. في هذا العصر وفي كل العصور لا يستطيع أي إنسان وأي بلد أن يحيا ويفلح وينتصر بدون أصدقاء وحلفاء.

مشكلة هذه المرحلة أن العالم أصبح بيد قوة واحدة اختل الميزان الدولي لصالحها كليا. ولسوء الحظ أن هذه القوة المنفردة، أمريكا، أصبحت أسيرة بيد إسرائيل واللوبي الصهيوني وليس لشعبها معرفة بالعالم ككل أو يعبأ بما يجري فيه. لا بد من قوة توازن هذه القوة. والمرشح الوحيد حاليا هو الاتحاد الأوربي. وهذا الاتحاد الأوربي يتعاطف مع قضايانا، على الأقل أكثر من أمريكا. فيه الآن قطاعات كبيرة من العرب والمسلمين آخذة بالاتساع عددا ونفوذا. إنني واحد منهم وألمس جيدا تعاطف الأوربيين معنا وخاصة مع الفلسطينيين. يكفي أن أشير لما قاله السفير البريطاني في روما عندما هاجم الحكومة الأمريكية واتهمها بالخضوع لإسرائيل واللوبي اليهودي.

مصلحتنا تقتضي أن نحافظ على هؤلاء الأصدقاء لا أن نغيظهم ونثيرهم ضدنا. مصلحتنا تطلب منا كسب صداقة الاتحاد الأوربي ودعمه في سائر الميادين. جل من جاءوا منهم للعراق، جاءوا محملين بالحب والعطف والرغبة في مساعدتنا. إنني أعرف ذلك لأنني ألتقي بهم وأعرفهم. رد الجميل بالسوء إساءة لا يغفرها الله ولا الإنسان ولا تعتبر من شيم المروءة. التعرض لهم سيدمر الجسور بيننا وبين أوربا ويقلب الرأي العام الأوربي ضدنا ويعرض العشرة ملايين مسلم وعربي في أوربا الغربية إلى الاضطهاد ويحرمهم من لعب أي دور سياسي مفيد لنا.

بحق السماء، أصغوا لصوت العقل وفكروا بتبعات ما تقومون به وما سيؤدي إليه مستقبلا. أطلقوا سراح هؤلاء المساكين بكرم وشهامة ورجولة، وأهم من كل ذلك بوعي ودراية.