فضيحة

TT

بالرغم من كل استيائنا مما قام به الخاطفون فلا بد أن نعترف ان ما قاموا به مؤخراً بشأن المخطوفين الثلاثة كان عملية مذهلة من الناحية السياسية. اذا كانوا خططوها فالحق ان يقولوا انها كانت ضربة معلم. وإذا لم يخططوها فلهم الحق ان يقولوا انها كانت معجزة منَ بها الله عليهم.

فقلما يستطيع طرف سياسي ان يحصر خصومه في مثل هذه الزاوية. بنحرهم للأمريكيين الاثنين ومساومتهم على البريطاني وضعوا بوش وبلير وعلاوي في أحرج موقف. اذا سمح بوش بإطلاق سراح النساء العراقيات ومن ثم نجاة البريطاني، فإنه سيواجه غضب شعبه بالسماح بنحر الأمريكيين ونجاة البريطاني قبل أيام من الانتخابات. وإذا لم يسمح فإنه سيواجه غضب الشعب البريطاني والعالم كله في التضحية ببريطاني بريء. وبعين الوقت سيثبت القول بأن الحكومة العراقية لا سيادة لها ولا سلطة، لأن قضاتها حققوا مع رحاب طه وأقروا ببراءتها واطلاق سراحها. ويثبت ايضاً ان القضاء العراقي غير مستقل وبالتالي غير مؤهل لمحاكمة صدام أو أي أحد من أعوانه.

وكذلك يظهر للعالم ان الأمريكان يسجنون اناساً أبرياء ونساء صدر الحكم ببراءتهن. بعبارة أخرى يكون بوش قد أيد كل ما يقوله الرأي العام العالمي عن امريكا وبرر كره العالم لها.

بالنسبة لتوني بلير الذي كان يواجه مؤتمر حزبه السنوي، اذا أيد بوش في هذا الموقف فسيظهر امام المؤتمر بمثابة الكلب المطيع لأمريكا، وهي التهمة السائدة الآن بين الجمهور البريطاني. وإذا عارضه فإنه سيقوض التفاهم والتحالف البريطاني الأمريكي.

أما بالنسبة لاياد علاوي، فإذا سكت ولم يتدخل، فإنه سيخسر صداقة امريكا ويحرج موقفها في العراق. واذا ايد بوش، وهو ما فعله، فإنه هو الآخر سيثبت نفسه صنيعة بيدها وينال غضب واستخفاف البريطانيين والعالم كله. أهم من كل ذلك، سيدمر استقلال القضاء العراقي واستقلال السلطات الثلاث. المفروض ان رئيس الوزراء لا يتدخل في قرارات القضاء. ستكون هذه أول مرة في تاريخ العراق الحديث يلغي فيها رئيس وزراء قراراً قضائياً، بعبارة أخرى اننا اصبحنا اسوأ مما كنا في عهد الانتداب البريطاني قبل ثمانين سنة.

بقي احراج آخر. نطق وزير العدل العراقي بما قضى به قضاته بعد تحقيق دقيق وقرر الافراج عن المتهمة. اذا كان لا يعبأ أحد بقراره وقرار قضاته فقد أصبح عليه أن يقدم الآن استقالته، وإلاَّ فسيتهمه الناس بأنه وقضاته مجرد «طراطير». وإذا استقال من منصبه لمثل هذا السبب القوي فأعتقد أن الواجب الأخلاقي يفترض ان يتضامن كل زملائه الوزراء معه ويقدموا استقالتهم.

وأخيراً فكيف سيمكن وصف الانتخابات القادمة بأنها شرعية وعادلة إذا كان القضاة لا يؤخذ بقراراتهم؟

بالنسبة لاياد علاوي، اذا كان هناك رجل يتمنى نحره فهو وزير عدله.

www.kishtainiat.com