لأول مرة تصبح اللغة العربية محل اهتمام دولي حقيقي بعد ان كانت متروكة لأهلها العاجزين عن تطوير امكانياتها. وللسبب نفسه الذي اصبح العرب وسط الضوء صارت العربية محل الدراسة، حيث امتلأت مراكز جامعية بطلاب يريدون تعلمها، وضوعفت مخصصات الدراسات الاجتماعية واللغوية مع ارتفاع الرصد اليومي لما يذاع وينشر، وهناك كم كبير من الكتب والبحوث الجادة. وهي ظاهرة مرتبطة بالحدث وقد لا تدوم طويلا لكن الأهم هو ما سمعته من احدهم عن سعي مؤسسات اوروبية واميركية لتطوير ادوات التعامل مع العربية، مثل البحث الالكتروني والترجمة الالكترونية.
فكل اللغات الرئيسية في العالم تنعم بمرحلة ازدهار بفعل ادخال الترجمة الآلية التي منحتها آفاقا واسعة اثرتها بالعلوم والمعارف الجديدة، اما العربية فقد بقيت متخلفة لسبب واحد هو ضعف الانفاق على الابحاث التطويرية للغتنا. في الظروف الجديدة اصبحت المؤسسات العسكرية والامنية الغربية، وكذلك الاقتصادية، تريد ان تصل الى العرب، الى اذهانهم واوراقهم وجيوبهم، وتحاول ان تفهم وتتفاهم معهم، وتريد ان تتنصت على ما يقولونه او اسماعهم ما تريد قوله. هذا الاهتمام الطارئ فتح آفاقا جديدة، كما شرح لي احدهم، موضحا انه تم تكليف مؤسسات عالمية لتطوير البحوث التقنية الخاصة باللغة العربية. وفي أحد المعارض التقنية قدمت نماذج جديدة لتجهيزات صوتية قدرتها على التعرف على الكلمات العربية المنطوقة اكثر دقة من بقية اللغات، وربما جرى تطويرها في الاساس لاهداف امنية لكنه تحول ايضا الى اغراض بنكية وعلمية وتدريسية ايضا.
وفي ظني ان العالم بدأ يكتشف ان عزلة العرب والعربية عن مسار التطور واستمرار تخلفنا اللغوي، وراء جلوسنا في العربات الأخيرة في قطار الحداثة. فتخلفنا جزء من اسبابه انقطاعنا العلمي في زمن ركيزته العلم، الذي يسير في خارج منطقتنا بسرعة هائلة تنعكس بشكل واضح على كل اوجه الحياة. بطء العلم انعكست اشكالاته على كل اركان منطقتنا، ومن اهم اسباب الانقطاع حاجز اللغة الذي قسمنا الى فئة قليلة تعرف واغلبية تعتمد على تراجم يدوية محدودة. وافضل مثال هو الانترنت، الوسيلة المنتشرة بين ايدينا، حيث صار نصيب العربية على المواقع فقط تدوير الثقافة الورقية القديمة كما هي من دون الاستفادة مما يوجد في مخزون الثقافة العالمي، الذي لا يمكن الاستزادة منه الا لمن يعرف اللغات الحية الرئيسية.
ونحن نقول عسى ان يحرك اهتمام العالم قدرات لغتنا بعد ان فشلنا في تحريكها فهذا سيغير عالمنا العلمي بشكل حقيقي.