التطرف من الفلوجة إلى طابا

TT

لا يمكن ان نفهم طبيعة الهجوم على طابا في مصر الا اذا وضعناه في اطاره الكامل. ففي نفس الأسبوع كانت الخريطة دامية، حيث سبق الانفجار بساعات تفجير آخر في العاصمة الفرنسية اصاب سفارة اندونيسيا، أكبر الدول الاسلامية سكانا، نجمت عنه إصابات عديدة. وفي باكستان وقع انفجاران الأول لمتطرف فجر مسجدا مكتظا بالمصلين الشيعة، وبعدها بأيام رد متطرف آخر فهاجم تجمعا للسنة وسقط في التفجيرين عدد كبير من الابرياء. وفي وسط العاصمة الجزائرية هاجمت الجماعة السلفية القتالية فقتل اثنان وجرح ثمانية في اشتباك دام ساعتين، أضف الى هذا الرتل الكبير من السيارات الانتحارية التي قضى فيها مئات العراقيين وتكررت في عدة مدن حتى باتت خبرا مألوفا.

وسط هذا الدمار الشامل نستطيع ان نفهم طبيعة المشكلة فقط عندما نضعها في سلة واحدة، وبدونه لا يمكن ابدا ادراك الحقيقة كما هي. المشكلة نلخصها في كلمة واحدة، التطرف. بدون معالجة الفكر المتطرف الذي يزداد انتشارا وعنفا لا يمكن ان نرى شفاء للوضع الأمني الذي هاجم في اسبوع واحد ثلاث قارات.

هذه الجماعات تقتات بشكل أساسي على ترويج فكر التطرف، من خلاله تستطيع ان تجند آلافا من الشباب المستعدين للموت بلا تردد، وتجمع الاموال بكرم، وتحصل على منابر اعلامية تدافع عنها تحت شعارات مختلفة وتساندها فرق دعائية تسير وراءها بطبلها وزمرها كفرق دراويش مغيبة العقل.

والذي وقع بالامس في مصر قد لا يتجاوز كونه فرقا انتحارية عبرت الى الساحل المصري وليست بالضرورة عودة المتطرفين من المقابر المحلية التي دحرت في معركة التسعينات. انتهت تلك الفترة الدامية بهزيمة حقيقية للفكر والتنظيم المتطرف، مما دفع المتطرفين الى الهرب الى مواقع أخرى بعد ان واجهوا معارك خاسرة على الصعيدين الأمني والفكري، وغادروها الى السودان فافغانستان وانضموا الى الجماعات الاخرى في مناطق اعتبروها رخوة.

وما لم يقتنع المثقفون العرب والمسلمون بحقيقة المشكلة وانها اولا حالة تطرف، والعمل على مكافحتها مهما ارتدت من ثياب وطنية او دينية، فان هذه الدماء والدمار والخوف لن يتوقف. لا يعقل ان نبرر الاعمال الارهابية في انفجار ونهاجمها في انفجار آخر، فهي مترابطة فكريا ان لم تكن مرتبطة عضويا، والحل الأمني وحده لن يستطيع لجم الارهاب. وهذا يعيد تسليط الضوء على المثقفين العرب الذين لم يصمتوا قط يبررون للارهاب، لأنهم في حقيقة الأمر يمولونه بأهم ما يحتاجه، الدعاية والشرعية. ولهذا يرتبكون عندما يقع الحدث نفسه على أرضهم فيسارعون للفصل والتبرير.

خطر التطرف يهدد تقريبا كل المجتمعات العربية والاسلامية، فلا فرق بين هجمات انتحارية في كابل او الانبار او اسلام اباد او الرياض او الجزائر او باريس او دمشق او طرابلس او طابا. كلها تلتقي في حقيقة واحدة، منفذوها عقول متطرفة.

[email protected]