الإصلاح ونظرية التطور

TT

كتبت على هامش مؤتمر الإصلاح في الاسكندرية، فأكدت على البداية بإصلاح مناهج الدراسة. الرجل طفل الأمس، ويتوقف سلوكه كثيرا على ما تعلمه في صباه. يجب ان تتضمن المناهج تدريس نظرية التطور بكافة صوره. أسوق هذا الكلام بصورة خاصة لوزارة التربية العراقية المشغولة الآن بإعادة تصميم مناهج الدراسة.

الطبيعة التفجرية للمناخ الصحراوي للعالم العربي، والتحول المتطرف السريع والامتداد الشاسع للأنهر (النيل ودجلة والفرات)، ساهم في عجزنا عن استيعاب فكرة التطور والتدرج. وهذا العجز ساهم سياسيا واجتماعيا في خلق روح التطرف والثورات والانقلابات والاغتيالات والعنف والجمود والسلفية والشوفينية. نلمس ذلك في الفارق بين من تشربوا بثقافة الغرب وتمثلوا ببورقيبة ومن عاشوا في إطار ثقافتنا التقليدية وتمثلوا بعبد الناصر. جنحت المدرسة الأولى الى الإيمان بالديمقراطية والمرحلية والتحديث والعصرنة واللاعنف ومبدأ «خذ وطالب». يعود كل هذا الاتجاه الى التأثر بفكرة التطور.

وجنحت المدرسة الثانية الى الثورات والانقلابات والمؤامرات والاغتيالات والتشبث بالماضي والجمود. ويعود كل ذلك لعدم استيعاب سنة التطور والحركة الدائبة للكون والحياة. يمكننا أن نلمس الفارق بين المدرستين في تاريخ المسألة الفلسطينية. مثَّل الصهيونية العالم الكيمياوي وايزمان الذي أكد في كل تحركاته وأقواله على «التطور العضوي» لمسيرة الحركة الصهيونية. ومثل الجانب العربي محمد أمين الحسيني، المفتي الديني الذي تشبث بالتراث.

ما معنى الإصلاح الذي يتكلمون عنه؟ الكلمة بذاتها تعني أن ما هو موجود لم يعد صالحا وينبغي تغييره أو إصلاحه. بعبارة أخرى يعني الإصلاح الإيمان بالتطور. كيف يمكنك أن تصلح إذا لم تؤمن بالتطور؟ وكيف تؤمن بالتطور إذا لم تدرس سننه وتطبيقاته في الأحياء والنباتات والجمادات والكون برمته، ومن بعده التاريخ والمجتمع؟

لا شيء يبقى كما هو، بل يجب ألا يبقى كما هو. فهناك دائما ما هو أحسن مما هو موجود، هناك دائما إمكانية التحسين والتطوير. انظر يا سيدي لما في بيتك من معدات وتأمل هذه الحكمة فيها. لماذا تسعى لشراء سيارة أرقى وأحدث ولا تسعى للزواج بامرأة أرقى وأحدث؟ لا سبيل لإصلاح المجتمع العربي بدون تجاوز سمة الجمود وروح السلفية بغرس فكرة التطور والنشوء والارتقاء في نفوس الجيل الجديد. ويتطلب هذا تدريس هذه النظرية في مدارسنا وتطبيق سننها على سائر المواد المدرسية الأخرى، بما فيها اللغة والأدب والتاريخ والاجتماع.

www.kishtainiat.com