بجاه هذا الشهر المبارك

TT

نحن الآن في شهر رمضان أعاده الله على سائر المسلمين بالخلاص والسلامة، هذا كل ما أصبح المسلمون يتطلعون إليه. راحت أيام الخير، واصدق ما يصدق على ذلك الآن العراق، وفي العراق يصدق ذلك بصورة خاصة على أطفال العراق، الذين لم يعد الكثيرون منهم يجرؤون حتى على الذهاب للمدرسة، ما شاء الله! سيكون لدينا جيل خاتم بالجهل، وكأن ما لدينا من جهل وجهالة لا يكفي.

ما من أسرة الآن تسمح لأطفالها بالبقاء خارج البيت بعد الغروب، وإذا كان شهر رمضان المبارك، موسماً للذكريات، فما أجدر بنا أن نتذكر كيف كنا في طفولتنا نحيي هذا الشهر. ما كان ينتهي القوم من تناول الإفطار ويحل الظلام، حتى نجتمع ذكوراً وإناثاً في رأس الدربونة أو الزقاق، ونسير في كوكبة صغيرة يقودها أكبرنا سناً، نطرق أبواب المحلة بيتاً بيتاً، نقف أمام البيت وننشد:

ما جينه يا ما جينه

حلي الكيس واعطينا

تعطونا لو نعطيكم

لبيت مكة نوديكم

ربي العالي يخليكم

تعطونا كلما جينا

ثم ينادي رئيس الجوقة فيقول:

يا أهل السطوح

تعطونا لو نروح

وحكاية أهل السطوح هي أنه كان من المعتاد لنا أن نقوم بجولتنا هذه عندما يقع رمضان في الصيف ويطيب السير والتجوال في الأزقة، يكون عندئذ سكنة البيت قد فطروا وصعدوا فوق سطح البيت للنوم على عادة العراقيين. يا أهل السطوح تعطونا أو نروح؟، ينهض حينذاك واحد منهم إلى سياج السطح، إن كان أعجبه غناء الجوقة واستحسن شكلهم فيلقي عليهم شيئاً من الشوكولاته والحامض حلو، وإذا تضايق منهم وانزعج من أصواتهم أو كان »معكنن» المزاج ومتعاركا مع زوجته، فيلقي عليهم جرّة ماء من فوق ويفرقهم، يتراكضون عندئذ وهم يولولون ويصرخون وينهالون بالشتائم على صاحب البيت. ويستمر هذا الروتين كل ليلة من ليالي رمضان، فيا ما أكثر الأولاد وأكثر الأزقة والدرابين.

لا أحد يعرف من هي «ما جينه» هذه، التي كنا نردد اسمها، لا بد انها كانت واحدة من النساء الثريات في بغداد، وربما كانوا يقصدون بها ريجينه، الثرية والمحسنة اليهودية التي كثيراً ما كانت تتصدق على الفقراء في بغداد. وهذا طريف ان يستغل الأطفال المسلمون شهر رمضان ليطلبوا الإحسان من امرأة يهودية، لكن هكذا كانت الحياة في العراق، كان رمضان مناسبة وطنية، بالاضافة إلى كونها دينية. فكثيرا ما شاركنا اصدقاؤنا اليهود والنصارى في إفطارنا، وكثيراً ما بعثنا إلى بيوتهم شيئاً من الطبخات الرمضانية، مثلما اعتادوا هم أن يبعثوا لإفطارنا بما تيسر لديهم من لذائذ الحلويات والكبة.. رمضان شهر البركات، والبركات للجميع.