إثبات المثبت.. سيارة ماهر عبد الله .. وحقيقة الفلوجة

TT

ليس الا اكذوبة محبوكة، زادتها آلة الاعلام المستكبر ( او الامبريالي ، او الصليبي...) رواجا، ونفخت فيها حتى حولتها الى عجل السامري الذي فتن عقول المسلمين.

نعم.. فأبو مصعب الزرقاوي، ليس الا شبحا، فكيف تسمي القوات الامريكية وقوات علاوي، عمليتها في البحث عنه وملاحقته، بالشبح الغاضب او بالقبض على العدو الاول، أشبح يطارد شبحا؟!

حتى لا تستمر الدهشة المرتسمة الآن على بعض الوجوه، اسارع فأقول، ان ما سبق هو مجرد تصور أو توقع لما يمكن سماعه عن شخصية أبي مصعب الزرقاوي «احمد فضيل نزال الخلايلة» من بعض محترفي النفي، فلزم التنويه.

مثل هذه التشكيكات رائجة، وتجد أرضا خصبة تضرب فيها جذورها وتثمر غصونها.

المشكلة ليست في عدم صحة كل التوقعات والتصورات التي قد تقال عن مصلحة طرف ما في تضخيم خطر معين، من أجل تحقيق قدر أكبر من المصالح، الى هنا يظل الأمر في نطاق المعقول وفي حيز الواقع أيضا.. ولكن غير المعقول هو ان يصبح النفي المستمر وهيمنة التفكير المريض اللاعقلاني، نمطا دائما يتحكم بنا عند كل حادثة وواقعة، لان ذلك يحتاج لوقفة مع الذات وعقلها، لا مع الخصم والآخر، فالاعداء يأتون ويذهبون .. ويختلفون ايضا، ولكن ما الحيلة في ما يشبه الثابت او الراسخ في ذواتنا؟

الزرقاوي حقيقة، وهو تجسيد لأزمة لم ننجح الى الان كمسلمين في حلها حلا ناجعا، وهي حسم الموقف من الاصولية الحرفية في فهم الدين، وصورة التاريخ الاسطورية المفقودة في اذهاننا، وتراق كل هذه الدماء من اجل استعادتها، ودعك عن كل سبب فرعي آخر يقال عن الاحتلال والقضية الفلسطينية، هذه اسباب تجنيدية تسهل توفير الجنود فقط، ولكنها لا تصنع الفلسفة والجوهر.

ما هو ميناء المستقبل الذي تتجه اليه سفننا؟ هل نركب سفينة الزرقاوي وبن لادن وابي قتادة والظواهري، التي يهتفون على صاريتها بعمائمهم وسيوف ابي مصعب وعين ابي حمزة المصري، يهتفون للسفر الى بحر الظلمات هل نجيبهم أم نبقى؟

رغم كل ما يمكن قوله من نقد وهجاء لشاطئنا، الا انني افضل البقاء فيه حتى نجد سفينتا التائهة في البحر التي ستعود يوما، حتما ستعود، لتبحر بنا الى الضفة الاخرى، ضفة العقل والحضارة. فهذا الانتظار افضل من الصعود الى سفينة القراصنة الذين اختطفوا الاسلام والمسلمين.

المحبط ان هيمنة هذا «النمط» التآمري في التفكير، لم يقتصر على ذوي الثقافة الشعبية البسيطة، الوسط الملائم عادة لتصديق الروايات التآمرية الدسائسية، بل وصل الداء الى عروق التفكير النخبوي لدينا، ما دام ان نخبتنا العربية، طيلة اكثر من نصف قرن، هي التيار القومي والاسلامي.

حتى ابسط الحوادث القدرية، يتم تأويلها بشكل بديع، يحسد عليه صاحبه. فقبل عدة اسابيع توفي الزميل ماهر عبد الله المذيع الاسلامي في قناة الجزيرة، في حادثة سير واصيب معه رفيقه الاكاديمي الفلسطيني بشير موسى نافع، والاثنان من ذوي الاتجاه الاسلامي.

حقيقة لقد حزنت لهذه الحادثة لسببين: أولهما أن نبأ الوفيات الداهمة التي تأتي من دون سابق انذار، كحوداث السير، تصعق القلب، ولا انسى كيف تلقيت في فجر يوم قاتم، خبر وفاة ابي الرجل الساخر دوما، في حادث سير عنيف، بعد ان سلم من الأزمة القلبية، وبعدما دخل غرف العناية المركزة في المستشفيات مرتين.. الموت ذلك الوحش المتهدل الاشداق، المتقطر الفم الذي يفترس من نحب دوما...

وثانيهما هو انني التقيت ماهر في السعودية وجالسته، وكان بالفعل رجلا لطيفا ودمثا، حتى وانا اختلف تماما معه في منهجه السياسي والفكري.

المهم بعد بضعة ايام من هذه الحادثة، راجت وكالعادة، نظريات مؤامرة عن من يريد « قتل» ماهر عبد الله، ابن جنين والاخواني الفلسطيني، والدكتور بشير نافع المناضل الفلسطيني ابن غزة واسلامييها؟

وفي مكالمة هاتفية سمعت هذا الهمس: هل تتوهم ان مقتل ماهر وبشير مجرد حادثة سير؟ اجبت: نعم ، فجاء الرد: هناك اشياء مريبة وراء هذا الحادث.

للأسف لم اعرف هذه الاشياء المريبة. ومن حسن المقادير، ان الله سلم الدكتور بشير نافع، وكتب مقالا يروي فيه تفاصيل الحادثة وقال «ما أود أن أؤكده في البداية أن ما تعرضنا له كان على الأرجح حادثا مروريا مقدرا، لم يثبت على أي وجه من الوجوه أن طرفاً خارجياً قد لعب دوراً فيه».

ورغم شهود الدكتور لهذا الحادث واطلاعه الدقيق على «طبيعة» الحادثة وتأكيده على ذلك، حينما يقول «وربما وجد الوعي العربي الجمعي، من الصعوبة بمكان، تصور أن تنتهي حياة المذيع / المراسل الشجاع، الذي غطى الحرب الامريكية على العراق، والقصف الامريكي الدموي لمكتب الجزيرة عند سقوط بغداد وخرج سالماً، أن تنتهي حياته في حادث مرور عادي. ولكن هذا على الأرجح ما وقع».

ثم يعلل هذا الاستدراك: «وأقول على الأرجح ، لأن أحداً لا يعرف ما وقع على وجه اليقين إلا الله، لقد صحبت ماهر عبد الله لعدة أيام قبل الحادث، ولاحظت مبكراً أن ضغط الهواء في أحد إطارات سيارته كان منخفضاً. كما ان رجال الشرطة القطرية، الذين قاموا بفحص السيارة بعد الحادث، أفادوا بعدم وجود دليل على أن السيارة قد تعرضت لأي مؤثر خارجي، ورجحوا أن يكون الإطار منخفض الضغط هو السبب وراء فقدان السيطرة على السيارة». ( القدس العربي 14 اكتوبر الجاري).

كلنا نعلم انه لا يعلم كل شيء الا الله، فما الجديد في ذلك؟ لماذا لا يقول رغم انه رأى كل شيء، ان ما حصل هو حادثة سير بسبب خلل في اطارات السيارة.

أليست نسب وفيات الطرق والمرور من اكثر النسب العالمية عندنا في الخليج. لم لا يكون هذا الحادث رقما فيها؟

لا ادري لو لم يسلم الدكتور بشير نافع، نتمنى له طول السلامة، من حادثة ماهر عبد الله، هل سيكون كلامنا مقنعا عن ان ما حصل مجرد حادثة مرور وليست تنفيذا لمخطط صليبي او صهيوني؟

اما نفي وجود الزرقاوي او التهوين من شأنه، فهو لا يقل ظرافة حزينة، او حزنا ظريفا عن حكاية حادثة السيارة. فالرجل يصرح بصوته، ويصدر البيانات، وتصدر ضده الاحكام في بلده الاردن، ويتحدث عنه زملاؤه في سجن سواقه، مثل ليث شبيلات ويتحدث عنه ابو انس الشامي (عمر جمعة) ويقص اهالي قرى كردية عن هيمنة جماعته مع رائد خريسات (ابو عبد الرحمن الشامي) على قراهم ،وكيفية ادارتهم لحياة الناس على نموذج طالبان، كما صنعوا هذه الايام في الفلوجة، حيث ينفذون الاحكام في الشوارع... الخ.

ثم وبعدما اشتد الحصار على الزرقاوي وضاق عليه الخناق وانتفض عليه «بعض» الاهالي في الفلوجة، ها هو يعلن البيعة لاسامة بن لادن، في محاولة واضحة لكسب زخم جديد، والركوب على عربة شعبية بن لادن في العالم الاسلامي.

رغم هذا كله، هناك من لا يزال يرى ان هذا الرجل «تأليف امريكي»!

لا يفوتني تذكير القارئ بالرسالة المطولة التي وجهها ابو محمد المقدسي (عصام برقاوي)، الاصولي الاردني وشيخ الزرقاوي وجميع الثوريين السلفيين، الذي اتخذ ابو مصعب من اسم موقعه على الانترنت (التوحيد والجهاد) اسما لجماعته الارهابية، ففي رسالته هذه نصح المقدسي ابا مصعب الزرقاوي، بان يحصر «جهاده بالامريكيين والبريطانيين والمتعاونين معهم»، وألا يشتت المعركة بضرب الضلال من المذاهب الاسلامية الاخرى. وسرد فيها تفاصيل غزيرة عن علاقته بتلميذه ابي مصعب الزرقاوي، وحالات المد والجزر في هذه العلاقة، وهي رسالة مفصلة، وفي تقديري انها تحتاج لوقفات، تكشف شيئا من اسرار الكهف الاصولي..

بيد ان الغرض من الاشارة اليها هنا، هو اثبات المثبت والبرهنة على اليقين..! وهو ان الزرقاوي حي موجود وهو الذي يدير اكثر هذا القبح الذي يمارس باسم الاسلام في العراق.

كلمة اخيرة: كل ما مضى هو حديث عن «مقاومة» الزرقاوي فقط!

[email protected]