لعبة محيبس مع الأمير عبد الإله

TT

اعتادت وزارة المعارف في العهد الملكي، أن تدعو طلبة المدارس الثانوية لقضاء شهر في كردستان، ضمن عطلتهم الصيفية. كانت الفكرة منها الترويح عن الطلبة بعد تسعة أشهر من التعب والدرس، وبعين الوقت للتعرف على هذا الجزء من الوطن وأبنائه الأكراد. كانت هذه فكرتهم، أما فكرتنا فكانت مختلفة تماماً. كنا نقول هذه خطة لإبعادنا عن العاصمة أثناء تمرير المخططات الامبريالية لمهاجمة صديقنا الاتحاد السوفياتي، طبعاً هذا كله على أساس ان أميركا والنيتو في حاجة إلى قوتنا الضاربة.

ولكننا في آخر المطاف، فضلنا كما يفعل الآخرون، الفرفشة على ما نؤمن به، فسجلنا أسماءنا وتوكلنا على الله. تزامنت السفرة مع رمضان المبارك، فأصدرنا فتوى لأنفسنا بأننا على سفر، ولا نحتاج إلى صيام. ليس ذلك فقط، إنما تزامنت السفرة مع وجود الأمير عبد الإله، الوصي على العرش في القصر الملكي في سرسنك، حيث أقمنا مخيمنا. جاءنا المدير المسؤول عن المخيم، وقال: «يا أولاد، سمو الوصي يرغب بلعبة المحيبس التي تلعبونها، ويرغب في الفطور معكم، ثم مشاركتكم في اللعب». المحيبس لعبة بغدادية أصيلة، تتضمن وجود فريقين، أحدهما يخفي الخاتم، المحبس، في يد أحدهم تحت البطانية، والفريق الآخر يحاول اكتشافه. أعطانا المدير درساً في حسن السلوك أمام الملوك والأمراء: «أنت يا ولد، يا عبود، ابني لا تفشر وتكفر كلما تخسر المحبس. وانت يا حسين، لا تزاغل باللعب. وانت فاضل، اسمع هنا، لا تبقى تلعب وتنقبر بخشمك، هذه عادة ما تليق أمام السدة الملكية. لا تخلون سمو الوصي، يأخذ فكرة أن طلاب العراق شلة صعاليك ويزاغلون حتى مع سيد البلاد، تسمعون؟».. نعم استاذ، ولا تخاف، سيدنا نحطه على راسنا.

التفت إلى المدير وقلت: «بس استاذ، اعطينا بطانية جديدة، هذي البطانية مليانة براغيث وقمل، أكلوا أيدينا، وأخاف تاكل يد سمو الوصي ايضا وتخليه الليل كله يهرش».

جاءونا ببطانية جديدة، وبها استطعت ان استبدل بطانيتي المهترئة. طالما قيل إن المبتدئ باللعب دائماً يكسب، وهذا ما تعلمته من الوصي رحمه الله، فحيثما اخفينا المحبس كان يحزر مكانه، ويكتشف اليد التي اخفته تحت البطانية المفروشة فوق أيدينا. استمر دأبنا على ذلك لعدة أيام، وكلما كسب الوصي الجولة، انصرفنا إلى خيامنا ندمدم: «بابا الوصي كان يزاغل اليوم، حسين كان يغمز له بعينه ويعلمه»، وفات ذاك اليوم، وذاك الرمضان، وجاءت أيام وفاتت أيام، ولم يسأل أحد منا ما الذي قبضه حسين من الوصي لقاء غمزاته. كانت أيام خير لا تخطر في بالنا مثل هذه الأسئلة.