الملك جورج بوش (3-3)

TT

لا يمكن ان نختتم قراءة المحتمل في المرحلة البوشية المقبلة، من دون فهم المرحلة المنصرمة من حكمه. فلا تخطئ العين ملاحظة ان بوش رجل ذو عزيمة وصاحب بأس لا يهاب اتخاذ القرارات الخطيرة مهما كانت الظروف المعادية المحيطة به. وقلة من الساسة يمكن ان يغامروا مثله بحرب في العراق، وحشد كل تلك القوات في وجه معارضة عالمية واسعة. ايضا لا يمكن ان نفهم حرب افغانستان ومسلسل غوانتانامو الا بفهم عقلية الاصرار التي نراها غلظة غير حضارية وعيبا اساسيا في طريقة حكمه، ويراها مواطنوه ضرورة لرجل المرحلة، وتوجوه رئيسا مرة ثانية بناء عليها.

وعلينا الا نغض الطرف عن نتيجتها، أي حالة القلق التي بثها بوش في كثير من ارجاء العالم، بما فيها منطقتنا التي طالما اعتادت على اللامبالاة حيال ما يصدر عادة عن البيت الابيض، مثل دعوات لتطبيق الطروحات الديمقراطية. بسبب الحالة التي زرعها بوش انظروا في كل انحاء المنطقة حيث تحولت كلها تقريبا الى صناديق الاقتراع بشكل او بآخر بعد ان اوحى بوش بانها دعوة الزامية في سياسته الخارجية. ورغم سخريتنا المتكررة من طروحاته تلك لكننا سنتذكرها ضمن التطور التاريخي للمنطقة. والطرح البوشي الديموقراطي انطباعي، بل وساذج، في منطقة لا تزال متخلفة اكثر من مائة عام، ولن تفرز عبر الانتخاب الا المزيد من الاصوات المعادية له، رغم انه يظن انها ستحقق الاجماع السياسي الضروري للاستقرار وتخرج الحكم الشمولي، وتدخل المنطقة العربية في العالم المتمدن.

من أخطاء بوش في السنوات الأربع الماضية انه تقاعس عن محاولة حل القضية الفلسطينية بسبب اصراره على عناد اضر بالوضع كله في منطقة الشرق الأوسط. ومع ان الجانب العربي، والفلسطيني تحديدا، ارتكب اخطاء مفجعة في معالجة الوضع، الا ان الرئيس الاميركي فعل ما هو أسوأ. فقد اكتفى بسجن عرفات ظنا منه ان ذلك سيحقق احدى نتيجتين، تخفيف العنف او تغيير القيادة الفلسطينية، فكرر بذلك خطأ سياسة من سبقه مع الرئيس العراقي المخلوع صدام عندما فرضت المقاطعة ضده اعتقادا ان ذلك سيجبر الرئيس العراقي على التعاون او يدفع النظام للسقوط فجاءت النتيجة بالعكس. عرفات بسبب التضييق ضعفت سلطته التي كان له ان يتعاون من خلالها، وبالتالي ضعفت وسيلة الحل السلمي، وثانيا أكسبت المواجهة غير المتوازنة عرفات تعاطف مواطنيه حتى من اولئك الذين يختلفون معه، وصار كأي زعيم يعاني باسم شعبه.

بين شدة البأس والعناد وسطوة قائد الدولة العظمى غير بوش معالم ورموز واستحدث أخرى، لكن معركة اصلاح العالم كما يريد ظلت وعودا، فقد اسقط طالبان وصدام وعرفات لكنه لم يحقق نجاحا في اي القلاع المهدومة، بعد.

[email protected]