هذا ميراث عرفات.. وذلك ميراث صدام

TT

بدا حكم عرفات وكأنه قد وضع تطلعات الشعب الفلسطيني، في حبس إنفرادي معه في مجمع الرئاسة، بحيث تكون أبعد من منال الدبلوماسية الخلاقة. ولم يكن في مقدور أية قوة غير قوانين البيولوجيا القاهرة، أن تحرر تلك التطلعات من سجنها.

في أوائل التسعينات وقفت مع أولئك الإسرائيليين، الذين كانوا راغبين في التعامل مع عرفات، في أوسلو، من أجل تطبيع العلاقات لمصلحة الإسرائيليين والفلسطينيين معا. وقد فعلوا ذلك من دون أن يكونوا من المعجبين بعرفات. ولكن عندما وضح تماما، بعد انهيار محادثات كامب ديفيد، استحالة الوصول إلى أي اتفاق معه، تمنيت أن يختفي من المسرح.

أداة البحث غوغل، أداة ممتازة ومدهشة. وقد قضيت أمس وأنا ابحث كل التشكيلات الممكنة للكلمات: «ياسر عرفات وفلسطين والتعليم» ولم أعثر على خطاب واحد، أو حتى فقرة متكاملة، يطرح فيها عرفات رؤيته حول الكيفية التي يعلم بها الفلسطينيون أطفالهم ويطورون ويصقلون مواهبهم، ربما لأن خطبه حول هذه القضية لم تترجم إلى اللغة الإنجليزية، ولكن ربما لأنها لم توجد اصلا، لأن تلك لم تكن واحدة من أولوياته. كان مهووسا «بالارض» الفلسطينية وليس «بالحياة» الفلسطينية. أما إذا بحثت في غوغل عن كلمات: ياسر عرفات والشهادة والجهاد، فإنك ستجد صفحات تتلوها صفحات.

إنني اتفهم الأسباب التي تحدو بالفلسطينيين أن يكنوا هذا الاحترام الهائل لعرفات الذي وضع قضيتهم على خريطة العالم، ولكن ذلك اصبح هدفا بالنسبة إليه وليس غاية، وهذا هو السبب الذي سيجعل خلوده في التاريخ كخلود قصور من الرمال.

والى ذلك فالعالم العربي، تحت قيادة رجلين مثل صدام حسين تعبأ بشعارات القومية العراقية والفلسطينية كمقولتين خاويتين مفتقرتين لأية أجندة لتنمية وتطوير الرجال والنساء في ذينك البلدين، إذ ركز الرجلان على أجندة مقاومة القوى الخارجية، وعلى شراء كميات أكبر من الاسلحة وكميات أقل من أجهزة الكمبيوتر، لأن ذلك هو ما يخدم نظم الرجل الواحد. هذه القومية الخاوية هي التي عبأت شعبيهما وجعلت أبصارهم شاخصة إلى الخارج، وجعلتهم غير قادرين على إثارة قضايا تمويل التعليم، دع عنك تطبيق الديمقراطية. وكما يقول المثل العربي «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة». ولم تكن هناك أصوات أعلى في هذا الشأن من صوتي صدام وعرفات.

ولكن إذا كان للمجتمعات أن تقوم على عقد اجتماعي يربط بين أفرادها، وإذا كانت تعتمد على مؤسسات تحدد لها اتجاهها، فإنك لا تحتاج إلى حكم الرجل الواحد بطريقة عرفات وصدام. ولن تحتاج إلى تعبئة كل الطاقات لمعاداة العالم الخارجي، وهذا هو ما يضفي الاهمية الكبيرة لجهة كيفية خلاص العراقيين والفلسطينيين من حكم الرجل الواحد، فهل سيستغلون هذه الفرصة السانحة لإجراء الانتخابات وإقامة جسور العبور إلى مجتمع يقوم على المؤسسات والقانون، أم أنهم سيقيمون جسورا تقود فقط إلى نوع آخر من حكم الرجل الواحد؟

إذا اختاروا الخيار الأخير، فإن الأمم المتحدة ستواصل كتابة التقارير حول انعدام التنمية البشرية في العالم العربي. أما إذا كان الخيار الأول فأنا واثق أنه خلال عقد واحد من الزمان، وعندما تبحث في غوغل عن كلمات: «العراق، فلسطين، الإبداع التعليمي والاكتشافات العلمية»، فإنك ستجد كثيرا مما يخدم أغراضك.

* خدمة «نيويورك تايمز»