السلطان الإسلامي

TT

ها نحن نواصل استعراض اقوال الفقهاء حول صحة ولاية الحاكم المسلم من قبل الكافر:

قال البرزلي في (جامع وسائل الاحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام ص 49): وسئل المازري عن احكام تأتي من صقلية ـ وكانت قد استولى عليها الكفار وقضاتها مسلمون ـ من عند قاضيها، وشهادة عدول فيها، هل يقبل ذلك ام لا، مع انها ضرورة ولا يدري اقامتهم هناك تحت اهل الكفر، هل هو اضطرار او اختيار؟

فأجاب: القادح في هذا وجهان: الاول: يشتمل على القاضي وبيناته من جهة العدالة، فلا يباح المقام بدار الحرب في قياد اهل الكفر، والثاني: من ناحية الولاية، اذ القاضي مولى من قبل اهل الكفر فالاول... ثم ذكره...

ثم قال: وأما الوجه الثاني: وهو تولية الكافر القضاة، والامناء وغيرهم، لحجز الناس بعضهم عن بعض واجب. حتى ادى بعض اهل المذاهب انه واجب عقلا، وان كان باطلا ( قلت :لأن الاصل عدمه، لكن كان للضرورة كما مر معك)، فتولية الكافر لهذا القاضي العدل اما: بطلب الرعية له، او إقامة لهم للضرورة لذلك. فهذا لا يقدح في حكمه، وتنفذ احكامه كما لو ولاه سلطان مسلم.

وقال العلامة الشنقيطي في (رحلة الى بيت الله الحرام ص 105) ما نصه: «تولية المسلم على المسلم اذا كانت صادرة من غير مسلم متغلب منعقدة ام لا؟».

ان المؤمنين اذا تغلب عليهم الكفار باحتلال بلادهم اذا امكن الانضمام الى سلطان اسلامي وجب عليهم ذلك، ولم يجز لهم موالاة الكفار، واحرى توليتهم. لأن موالاة المسلمين للكفار مع القدرة على موالاة المسلمين تتضمن الفتنة والفساد الكبير بنص القرآن العظيم، وهو قوله تعالى (ألا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير) «الانفال: 73». وقال تعالى (ومن يتولهم منكم فإنه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين) «المائدة:51».

واما ان كان المسلمون الذين تغلب عليهم الكفار لا صريخ لهم من المسلمين يستنقذهم بضمهم اليه، فموالاتهم للكفار بالظاهر دون الباطن، لدفع ضررهم جائزة لنص القرآن العظيم، وهو قوله تعالى (لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا ان تتقوا منهم تقاة) «آل عمران: 28». وكذلك توليتهم بعض المسلمين على بعض في الجاري على اصل مذهب مالك ومن وافقه، من ان: شرع من قبلنا شرع لنا، ان ثبت بشرعنا الا لدليل يقتضي النسخ. وايضاح ذلك ان نبي الله يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم، عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام طلب التولية من ملك مصر، وانعقدت له منه وهو كافر، كما قال تعالى حكاية عنه (قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم) «يوسف: 55».

فلو كانت التولية من يد الكافر المتغلب حراما غير منعقدة لما طلبها هذا النبي الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم من يد الكافر، ولما انعقدت له منه. ويوسف من الرسل الذين ذكرهم الله في سورة الانعام بقوله: (ومن ذريته داود وسليمان وايوب ويوسف وموسى وهارون) «الانعام: 84».

وقد أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم، حيث قال له بعد ذكرهم (عليه وعليهم صلاته وسلامه): (اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) «الانعام: 90». وأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم امر لنا، لأن الخطاب الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم يتناول الامة من جهة الحكم، لأنه قدوتهم، الا ما ثبتت فيه الخاصية بالدليل على ما ذهب اليه اكثر المالكية، وهو ظاهر قول الامام مالك).

وللحديث صلة