ثقافة الخوف وصناعته

TT

رؤية جديدة للارهاب بدأت تظهر في وسائل الاعلام الغربية الرصينة لتناقش اسطورة الخوف التي يتم تضخيمها باستمرار من أجل احكام السيطرة لا على الشعوب الفقيرة فحسب بل على الشعوب الغربية ذات الارث الديمقراطي العريق الذي يتراجع باستمرار من جراء ادخال عنصر الخوف الى العملية السياسية.

الغارديان البريطانية نشرت منتصف اكتوبر (تشرين الأول) الماضي صفحات عديدة عن صناعة اسطورة الخوف التي ساعدت القاعدة على تضخيمها واعطائها بعض المصداقية وذاك بالضبط ما كان يطلبه صانعو ثقافة الخوف في العالم الغربي التي تختلف في تقنياتها واسلوبها عن ثقافة الخوف التقليدية المعروفة.

بي بي سي أيضا غامرت برصانتها ورصيدها وقدمت عدة حلقات مثيرة ضمن برنامج وثائقي حمل اسم (قوة الكوابيس)تحدث فيه عشرات الشخصيات المتخصصة بالأمن والارهاب بينهم جيسون بيرك الذي ألف كتابا هاما عن القاعدة وخلص بعد أبحاث مضنية الى ان فكرة الخلايا النائمة لذلك التنظيم في الدول الغربية ما هي الا أحد الأوهام العديدة التي جرى ترويجها بكثافة لتمكين اليمين المحافظ في أميركا من احكام قبضته على مقاليد الأمور. ان الدول التي رأت الدم يسيل في شوارعها مثل سورية والسعودية والمغرب ومصر تختلف قطعا مع هذا التحليل وتستخف به لذا يسارع آدم كيرتس منتج ومحرر البرنامج الوثائقي (قوة الكوابيس) الى تخصيص الغرب وتحديدا اميركا بفكرته المركزية عن المبالغة في تسويق الخوف.

لقد بدأ البرنامج تحرياته عن الذين أثروا فكريا في تشكيل اليمين الأميركي المحافظ وتوصل الى أن أحد أهم هؤلاء هو البروفيسور ليو شتراوس الذي كان استاذا في جامعة شيكاغو في الخمسينات وهو الذي ترك بصماته على نائب وزير الدفاع الأميركي بول وولفوفيتز الذي يوصف مع تشيني ورامسفيلد بأنهم صقور ذلك التيار.

وعبر نقلة ذكية عبر الأطلسي من خمسينات القرن الماضي الى اوائل القرن الحالي يخبرنا كيرتس ان بريطانيا اعتقلت 664 شخصا بتهمة الارهاب استطاعت أن تدين منهم 17 فقط ومعظم هؤلاء من الايرلنديين والسيخ والمدافعين عن حقوق الحيوان وليس بينهم أي متطرف مسلم. ومن الأرقام الى معامل تصنيع ثقافة الخوف ونشرها نستعيد حكاية الرجل الذي قال لاصحابه بالايميل انه سيتزوج بالبحرين فوضعهم جميعا على قائمة الاتهام لأنه ليس هناك شخصيات مشبوهة كثيرة تذكر بالخلايا الارهابية النائمة ثم نرى بالصوت والصورة كيف أغرت المخابرات الفيدرالية المزور يوسف ميمسا واعدة بتخفيف أحكامه ان شهد ضد جماعة ديترويت، ويتم تذكيرنا بالصورة الرهيبة لتلك القلعة الحصينة التي قال الاعلام الأميركي ان القاعدة تمتلكها في قلب جبال تورا بورا ثم تدخل الكاميرا الكهف ذاته الذي قيل انه مركز قلعة الارهاب فلا يجد المصور والمنتج غير روث الحمير.

ويفترض ذلك البرنامج الوثائقي ان معظم من هم في غوانتانامو ضحايا لتجارة جديدة يمكن أن تسميها رقيق الارهاب فاثناء حرب أفغانستان صار الأفغان يقبضون على كل صاحب ملامح عربية ويبيعونه للاميركيين على أنه ارهابي.

لقد جرى تضخيم صورة القاعدة والمبالغة في الحديث عن قوتها لأغراض سياسية اميركية داخلية اما الواقع - والكلام لمؤلف كتاب القاعدة - فهو أن هناك عشرات التنظيمات لا علاقة لها بالقاعدة تقوم بعمليات تنسب للقاعدة فكل ما تتطلبه نار الخوف الموقدة عملية كل عدة أشهر تعيد تأجيجها للحفاظ على قوة ذلك الكابوس المريب.