العملية القيصرية

TT

(سور الحوامل) معروف في مدينة جدة، طوله اكثر من كيلو، وعلى رصيفه الممتد تتبختر النساء الحوامل وغير الحوامل، وكذلك بعض الرجال من اصحاب الكروش وغير الكروش، غير ان اسمه ارتبط بالحوامل ولا ادري الى الآن كيف، ولماذا؟!

لم امش او اركض حوله، لكنني شاهدته، وشجعت وصفقت لكل المهرولين بجانبه.. والذي جعلني أتذكر وأكتب عن ذلك السور الخالد، الذي أصبح بصمة من بصمات جدة، كالسور العظيم بالنسبة للمدينة الصينية بكين، الذي ذكرني به هو ما سمعته من محاورة دارت بين اثنين في مناسبة زواج اجتماعية، كنت من ضمن حضورها، ومكان جلوسي يبعد عنهما اقل من متر واحد، مما مكنني من أن استمع لمناقشتهما بشكل جيد، ولا اكذب عليكم انني كنت امني نفسي أن اسمع خبرا يشنف الآذان، أو نميمة، أو إشاعة، او فضيحة تتناقلها الركبان من أمثالي، غير انني أصبت بخيبة أمل مدقعة، حيث ان جل كلامهما كان عن همومهما المنزلية والأسرية التي لا أطيق سماعها حتى ولا من (نفسي أنا)، لأن الإنسان اذا ذهب الى مناسبة مفرحة (كالعرس) مثلا، يكون (غير ناقص غم)، أو على الأقل يريد أن يعشم نفسه (بفسحة الأمل) من ضيقة العيش التي هو رازح فيها، ويريد أن يحلم بأنه يزف على بساط من الريح على حورية لم تولد بعد، وان تدق له (المزاهر) وتتكسر، قد يقول قائل ـ ومعاه الحق ـ: ما دخل (سور الحوامل) بهذا (العك) واللف والدوران الذي دوختنا به، وأقول لهذا القائل: طول بالك، أنا (جايك بالحكي).

فالرجل الجالس بجانبي وكتفه يكاد أن يلامس كتفي لولا اني ازحف عنه كلما تحرك واقترب مني، قال لصاحبه وهو (يزوك): تصور يا أخي، زوجتي الله يحفظها تذهب في كل يوم الى ذلك المكان ـ أي السور ـ وينزلها السائق في أوله، ثم تسير هي على راحتها وتقطعه ذهابا وايابا ثلاث مرات، وهي الآن (حبلى) في شهرها الثامن ـ هكذا هو نطقها: (حبّلى)، وأنا لا أريد أن أحرف كلامه ـ، المهم أو (الزبدة)، ان زوج (الحبلى) قال لصاحبه، إن زوجته رجعت للبيت وهي (متعكننة) قليلا، وعندما سألها عن الذي كدر خاطرها قالت له: أبدا، لكن المشكلة ان الناس لا يتركون الناس في حالهم، فقال لها منزعجا: عسى ما احد عاكسك؟!، فقالت: وهو فيه احد (يسترجي) يعاكس واحدة في شهرها الثامن؟!، قال لها: طيب ايش فيه (سقطتي قلبي)؟!، قالت له: فيه واحد سخيف، كان سائقا سيارته، وعندما اقترب مني، واذا به (يصقع البوري)، وكدت أن اسقط ويسقط معي ما احمله في بطني، لكن الله قدر ولطف، وعندما التفت نحوه غاضبة، واذا هو يعمل (دعاية) لمكان جديد مفتتحه، واختصاصه لملابس الحوامل، وكذلك الأطفال الرضع، وتجاوزني مبتعدا، وكلما اقترب من امرأة حبلى صقع لها البوري، واستمر على هذا المنوال الى درجة انني خفت على طبلة أذني أن تنفقع، فقال لها: سلامتك وسلامة طبلتك يا حياتي من الفقع.. وفي هذه اللحظة سكت الجميع لأن الشيخ المملك بدأ يعقد القران أو المِلكّة بصوت مرتفع، وانسللت أنا خارجا بكل هدوء لأنني لا أريد أن أكون شاهدا ولا مشهودا.. وهناك احتمال كبير أن المرأة (الحبلى) ستضع وضعها بعد أسبوع بعملية قيصرية، واعتقد انها خطيرة.