من المحيط إلى الخليج.. مشهد أميركي عاصف.. و4 سنوات عجاف

TT

في ايام متقاربة يرحل عن 86 سنة رئيس دولة الامارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي سيذكره تاريخ المنطقة على انه صاحب مدرسة غير مسبوقة، في ادارة شؤون البلاد والعباد. وأنه بذل المستطاع من اجل ألاَّ يصبح الخليج مقراً وممراً للعم سام، في شخص ادارة الرئيس بوش الإبن، داعياً الى الحوار بالحسنى كما حاله طوال ثلاثة عقود شاهانية وخمينية مع ايران...

ويسوء الوضع الصحي للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ابن الخامسة والسبعين، نتيجة اشتراكات في البدن الذي ارهقه الحصار، وربما نتيجة عملية تسميم افشل الله مفعولها، يتم نقل «الختيار» الى مستشفى تخصصي في باريس بمبادرة محفوظة في الوجدان الفلسطيني، للعلاج الذي ربما سيستغرق شهراً على حد توقعات بعض زوار «أبو عمار»، بينما اسرائيل تتحدث عن الوفاة في أي لحظة.. وبذلك تتلاشى همة الرئيس الفلسطيني في الصمود وتتحقق الرغبة الشارونية ـ البوشية في انصراف الرجل عن ساحة القرار الفلسطيني، وعندئذ تسهُل خطط الانقضاض على القرار...

ويحتدم الصراع في الولايات المتحدة على البيت الابيض بين الرئيس الجمهوري جورج بوش الإبن الذي هو في الثامنة والخمسين وبين المرشح الديمقراطي الستيني السناتور جون كيري، وتقتصر المبارزة على حزبي «الفيل» و«الحمار» فقط مع ان في الولايات المتحدة 360 حزباً، لكنها من نوع الاحزاب الكثيرة في مصر ولبنان وبوش والعراق والسودان وفلسطين وغيرها.. مجرد ديكور في المشهد الحزبي...

ويتواصل الانتظار اللبناني ـ السوري لمعرفة ما ستكون عليه الاحوال مع الادارة الاميركية المتجددة بفوز الرئيس بوش وإخفاق الحزب الديمقراطي في استعادة الرئاسة من الحزب الجمهوري والتي كانت في انتخابات العام 2000 محسومة لمرشحه آل غور، ثم حدثت صفقة ليست عصيِّة على الفهم بعد الذي مارسه ارييل شارون بتأييد من المتصهينين في الادارة البوشية، وبات الثنائي الجمهوري بوش الإبن - ديك تشيني متسيِّداً على المقادير الاميركية وإلى حد ما العربية في اكثر من موقع...

كذلك يتواصل الانتظار المصري لحسم مسألة التغيير الذي يتزايد الكلام في شأنه منذ سنتين في اتجاه التوريث، وبحيث يصبح جمال حسني مبارك في مصر رمزاً لإستمرارية الحقبة الطويلة من حكم والده، او يقرر الرئيس المصري جعل الولاية الرئاسية الجديدة له بعد بضعة اشهر خاتمة لتلك الحقبة وفتح الباب امام سباق على الرئاسة لا قيود عليه...

كذلك ينتظر السودانيون نظاماً وشعباً.. انقاذيين ومتمردين.. ختميين وانصاريين.. شيوعيين واسلاميين.. جنوبيين ودارفوريين وشماليين وغربيين، بفارغ الصبر ما ستقرره الادارة الاميركية المتجددة بحيث لا تبقى قضية بلد المليون ميل مربع عالقة وقابلة للالتهاب في اي لحظة...

وأما اهل العراق الغارق في الدم والتدمير والقتل والخطف والتفخيخ والاغتيال، فإنهم على حيرتهم تستبد بهم الخشية من الولاية المتجددة، بقدر ما استبدّت الخشية من الولاية الجديدة لو أن الفوز حالف جون كيري. فالمتجدد في نظرهم سيزداد شراسة، والجديد في النظر نفسه سيزداد تسويفاً وارتباكاً، وهم يريدون الخلاص بمثل حال اخوانهم اللبنانيين قبل ان تمتد اليهم اليد السعودية وتشجعهم على التوافق واستعادة الوطن والشرعية من خلال اتفاق الطائف...

والمغاربة من تونس التي استبقت الحدث الاميركي ببضعة ايام وجددت لرئيسها ولاية رابعة تنتهي في العام 2010، الى المغرب المترقب حتى بعد طول تمحيص، وليبيا المنتظرة بعد كثرة تساهُل، والجزائر المتحفزة بعد طول رهان، وموريتانيا المتباعدة بعد صفقة يشاركون المشارقة وبالذات اهل الاردن الحائر قلقاً عميقاً.

ويبقى اهل الخليج الذين وضعتهم البوشية ابناً عن أب في الخيار الصعب امام الرئاسة المتجددة وفي الخيار الأصعب امام الرئاسة الجديدة لو كُتب الفوز للديمقراطيين. ففي الحالتين تبدو هذه الادارة فاغرة الفاه تريد أن يكون الخليج الحل والكنز لوضعها المالي، الذي ليس بعيداً عن حافة الافلاس بعدما تبين لها ان حال العراق مثل مغارة علي بابا التي نهبها النهَّابون. وهي من اجل تحقيق المأرب تمارس الضغوط والتهويل وتحذير الرعايا في استمرار من السفر أو الاختلاط بالناس.

وحدها اسرائيل بين دول المنطقة بقيت مطمئنة منذ اللحظة الاولى وحتى اللحظة الاخيرة. فبموجب اصول لعبتها السياسية، وبالذات في زمن انتخابات الرئاسة الاميركية، تضع المرشح الديمقراطي في الجيب الأيمن وتضع المرشح الجمهوري في الجيب الأيسر. وعلى هذا الاساس فإنها لم تترقب وهي قلقة نتائج الفرز ومن سيكون الفائز. فالمتنافسان دائماً إما الأول معها وإما الثاني ليس عليها.. أو بالعكس.

أما دول العالم حكومات وشعوباً فإنها وللمرة الاولى اعتبرت نفسها معنية بالسباق الاميركي، وربما لأن السنوات الاربع البوشية كانت عاصفة وإلى درجة ان شظايا التداعيات الناشئة عن الهيمنة الاميركية لم تترك اياً من هذه الدول يَسلَم منها.. مع الفارق بأن الشظايا تنوعت وبحيث ان من لم يتضرر من الشظية الاكبر تضرر من الشظية الكبرى. وبذلك تعددت الشظايا والضرر واحد.

ما يعنينا كعرب هو أن خطوط البوشيين كانت سالكة الينا كتدخلات او كحروب او كتهويلات او كوعود براقة شكلاً زائفة مضموناً، وان خطوطنا مع الطرف الديمقراطي كانت غير سالكة على الاطلاق. ومن اجل ذلك لم يسجل هذا الطرف وقفة نزيهة واعدة معنا، لكي نتأسى ونواسي في لحظة محاسبة النفس. ومن هنا فإن ما لم نفعله كعرب وكمسلمين في الماضي من الواجب القيام به مستقبلاً، وبحيث تكون خطوطنا سالكة مع اطراف السباق الى البيت الابيض، ففي ذلك ما يتيح المجال لنا كي نصبح مؤثِّرين في اللعبة، وبمثل التأثير اليهودي الذي هو قوي لعدة عوامل من بينها اننا غائبون في صيغة التغييب.

خلاصة الأمر أننا في علاقتنا مع اميركا المتجددة بعد الفوز البوشي المُبهر على موعد مع أربع سنوات عجاف، او أعجف على اساس ان الأربع المنقضية كانت هي العجاف... إلاَّ اذا انشغلت اميركا بنفسها بعدما اكدت جولات السباق الرئاسي وما حفلت به من مفردات واساليب كيدية وسوقية، ان الانقسام في الصف الاميركي بات قريب الشبه من الانقسام في الصف العربي، وان ما قالته صحيفة «نيويورك تايمز» قبل ستة عشر يوماً من الانتخاب، وفي معرض اعلانها الجريء بتفضيل جون كيري على جورج بوش الابن، كان اشارة من طرف خفي إلى ما في طيات الايام الآتية من مفاجآت غير سارة. ومما قالته هذه الصحيفة ذات التأثير وتبعتها صحف اخرى مهمة وأقل اهمية (113 صحيفة مع كيري و71 صحيفة مع بوش) ان ولاية بوش كانت «كارثية» مضيفة الآتي: «ان جون كيري مسؤول تنفيذي اول عظيم مستعد لإعادة تقييم قراراته عندما تتغير الظروف، ولأنه يدهشنا قبل كل شيء كرجل ذي جوهر اخلاقي قوي. ونعتقد أنه مع تولِّي جون كيري للرئاسة سيكون اداء الأمة افضل...».

ويبقى سؤال: هل ان العالم بعد الآن سيكون على ابواب حرب عالمية، أم ان الولاية الرئاسية المتجددة للثنائي الجمهوري بوش الإبن ـ ديك تشيني وفوزه المثير امام الثنائي الديمقراطي جون كيري ـ جون ادواردز، وبعد اطول مبارزة ظهرت فيها النيوب وتنوعت المكائد والدسائس والاتهامات الشخصية والعامة، ستنقل العالم الى نعيم الاستقرار من جحيم الهيمنة واللهجة اليمينية المتصهينة. والجواب لن يكون على جانب من الوضوح قبل بضعة أشهر من اختبار النوايا... وبعد وضع الممارسات البوشية الأولية في الولاية الرئاسية الثانية تحت المجهر.