قراءة تسويقية.. في الانتخابات الأمريكية

TT

مع احتدام المنافسة بين المرشحين على منصب الرئاسة في الانتخابات الأمريكية، كان الجميع في انتظار الحصول على إجابة لسؤال كبير، من يفوز في الانتخابات؟ هل هو المرشح الجمهوري جورج بوش أم الديمقراطي جون كيري؟ وقد كانت هناك إجابة مبدئية عامة، سيفوز من يستطيع أن يسوق نفسه وفكره للناخبين. الكل بدأ يدرك أن التسويق يمارس هوايته المفضلة في تحقيق الأهداف المرتبطة بالاتصال الجماهيري. وفي أمريكا ظهر نوع جديد من المعرفة التسويقية، انه التسويق السياسي، وهو التسويق الذي يحدث من خلال أنشطة وعمليات منظمة تستهدف خلق طلب على فكر ورؤى حزب معين أو مرشح معين. بالفعل انه نوع من التسويق يحسم دائماً المعركة في الساحات الانتخابية. وإذا كنا نتحدث في مجال التسويق السلعي أو الخدمي عن مفهوم المزيج التسويقي والذي يتضمن أربعة عناصر أساسية، وهى المنتج والتسعير والتوزيع والترويج، فإن هذا المزيج أيضا له وجود في التسويق السياسي، فالمنتج يعبر عن الفكر والرؤية التى يحملها المرشح، بشأن العديد من القضايا الداخلية والخارجية، والتسعير يعبر عن عدد الأصوات التى تشترى ذلك المنتج، أو بمعنى آخر، عدد الأصوات التى تؤيد فكر ورؤى المرشح، بينما يعبر التوزيع عن الأماكن التى يتم فيها التصويت، بينما يشير الترويج إلى كافة الوسائل المستخدمة في تعريف وإقناع الناخب بفكر ورؤى المرشح.

من هنا ترتكز الانتخابات الأمريكية دائما، وبصفة خاصة الانتخابات الرئاسية، على وضع استراتيجية تسويق تشمل خططاً للمكونات الأربعة. فماذا حدث في الانتخابات الأخيرة؟ المرشح الديمقراطي كان يركز حملته على مهاجمة أحد المكونات الأساسية في المنتج الذي قدمه جورج بوش أثناء فترة ولايته الأولى، هذا المكون يتعلق بطريقة التعامل مع الإرهاب، وقد شكك كيري في صلاحية وجدوى الفكر الذي طبقه بوش في هذا المجال، وأشار إلى أن المنتج سبب حدوث خسائر للمؤسسة الأمريكية، وانعكس ذلك على الصورة الذهنية للولايات المتحدة بين الشعوب. ففي عالم الصناعة والتجارة عندما تكتشف عيوباً في منتج المنافس، فعليك أن تقدم البديل الذي يتفادى هذه العيوب. وقد اكتفى كيري بتوضيح العيوب وعجز عن تقديم رؤية واضحة بشأن منتج جديد يتفادى هذه العيوب ، ويكسب المؤسسة الأمريكية مزايا جديدة. يبدو أن كيري لم يقم بدراسة جميع جوانب المنتج الذي قدمه بوش في فترة ولايته الأولى.

كان كيري يعتقد أن هذا الجانب في المنتج هو أهم ما ينظر إليه المستهلك الأمريكي، وأيضاً يبدو أن كيري فشل في تقييم وجهة نظر المستهلك الأمريكي بشأن هذا الجانب تحديداً. إذا كان هناك خلل واضح في خطة المنتج التى اعتمد عليها كيري، وهذا الخطأ انعكس بالتبعية على كافة عناصر المزيج التسويقي الأخرى.

على الجانب الآخر، ماذا فعل بوش ليدافع عن منتجه؟ لقد استطاع بوش أن يحول التهديد إلى فرصة؟ لقد صمم ونفذ خطة ترويجية بارعة كي يقنع المستهلك (الناخب) الأمريكي بجودة منتجه، وبأن هذا المنتج هو الملائم تماماً لظروف السوق السياسي الحالي، وأن هذا المنتج سيؤدى إلى تفوق المؤسسة الأمريكية وتنمية قدرتها على تجنب أية خسائر مستقبلية. وأقنعهم أيضا أن سحب هذا المنتج من السوق، ربما يؤدى إلى نتائج وخيمة تقلل من هيبة وانتصارات المؤسسة الأمريكية. لقد لعب بوش على مشاعر الأمريكيين، لقد راهن على تمكن الخوف منهم، الخوف من المستقبل، الخوف الذي يحتم عليهم التمسك بقائد يلاحق مصادر صنع الخوف الأمريكي، بينما راهن كيري على مشاعر الغضب لدى الأمريكيين من الخسائر التي تلحق بهم من جراء المنتج الذي قدمه بوش في التعامل مع قضية الإرهاب. أمام كل ذلك، كان من الطبيعي أن تسيطر مشاعر الخوف على ما عداها من مشاعر. والحقيقة أن بوش لم يفعل ما يدعو الشعب الأمريكي إلى الافتخار والزهو. بل انه في الفترة التى تولى فيها مقاليد الحكم، قدم منتجاً لا يضع في اعتباره الكثير من الخصائص والسمات المميزة لطبيعة السوق السياسي، سواء على المستوى المحلى أو المستوى الدولي، فيما لم يستطع أن يقدم منتجاً يعطي الولايات المتحدة ميزة تنافسية، بل على العكس قدم منتجاً لا يلبي رغبات واحتياجات المستهلك الأمريكي وغير الأمريكي، فقدم منتجاً لا يرضي سوى رغباته واحتياجاته في الهيمنة والسيطرة، ومن هنا فما نجح فيه بوش فقط هو إقناع الشعب الأمريكي باستهلاك منتج بصلاحية منتهية. وفي عرف التسويق فإن بقاء المؤسسة وتقدمها يتعرضان لمخاطر جسيمة عندما تقدم هذه المؤسسة منتجاً انتهت صلاحيته.

* أستاذ إدارة الأعمال والتسويق المساعد ـ جامعة الملك فيصل