من مفقودات اللغة العربية أيضا

TT

كتبت يوم امس عن عدم وجود مقابل عربي لكلمة كومبرومايس الانجليزية، ومغزى ذلك، هناك كلمة انجليزية اخرى ليس لها ما يقابلها في العربية، وهي كلمة «بلش» blush ، التي تعني احمرار الوجه خجلا. ترجمها مترجمو الادب الغربي الى العربية فقالوا: «احمر وجهه خجلا».

لماذا لا يوجد بديل لهذه الكلمة في العربية؟ الجواب واضح. وهو اننا لا نخجل مما نفعل، ولهذا فلا معرفة لنا بهذه الفعالية. السنا نقول من لا يخجل يفعل ما يشاء، وبالتالي فمن يفعل ما يشاء لا يخجل ولا يعرف الخجل. خذوا ما يجري في العراق وفلسطين الآن. اتحدى اي رجل يأتيني بشخص واحد احمر وجهه خجلا مما قام به كل هؤلاء الخاطفين ومن قاموا بنحر رقاب الابرياء وساوموا على فديات عن رؤوس الاطفال وتسببوا بموت العشرات من الصغار والنساء وبنوا القصور مما سرقوه من اموال الرعية واختلسوا من اموال المنح الدولية، وتسببوا بتدمير البيوت وتخريب المدن، هل رأيتم على التلفزيون احدا منهم احمر وجهه؟ فمن اين لنا ان نضرب كلمة مرادفة لكلمة «بلش».

وخذوا جل شعرائنا وكتابنا في تاريخنا الادبي التليد وتاريخنا الصحافي الجديد. يكتبون المعلقات الطوال في مدح صدام حسين واسلافه. رأيت الكثير منهم في لندن وباريس ولم اجد بينهم وجها محمرا واحدا. ابو الطيب المتنبي قضى كل حياته يشحذ من هذا وذاك ثم يقول: «واني وفيت واني ابيت واني عتوت على من عتى»، ولا يحمر وجهه قط خجلا مما قال ولا مما فعل في مزاحمة الشحاذين المساكين في رزقهم.

بالطبع، الاحمرار خجلا شيئ معروف عن المرأة اكثر من الرجل.

قلت لصاحبي ومن اين لي ان اعرف ذلك، وهذا البرقع على وجوه نسائنا؟ ربما لهذا السبب دأبت المرأة في العراق منذ عهود البابليين على تغطية وجهها بالبوشيه لئلا نكتشف ما الذي ستخجل او لا تخجل منه. وهو الشيء الذي ما زلت ابحث عنه.

بيد ان فاعل خير ارشدني أخيرا الى كتاب دقيق في الموضوع الفه باحث بريطاني هو الدكتور روبرت اولمان. قضى عشر سنوات من حياته يبحث في اسرار الاحمرار خجلا. سيعجب القارئ ويقول يا ويلاه عشر سنوات يبحث في الاحمرار خجلا؟ هذا سر تميزهم علينا، لكن مهلا يا سيدي عشر سنوات وتستكثرها؟ انا قضيت كل حياتي، احاول ان اكتشف ما الذي تخجل او لا تخجل منه المرأة العراقية ولم اوفق.

وعلى كل حال، فالدكتور اولمان يقول في كتابه «العيش مع الاحمرار خجلا» ان السمر لا يظهر عليهم الخجل بسبب الصبغة السمراء في بشرتهم التي تمنعنا من مشاهدة تدفق الدم عند الخجل، ولعل هذا ما يفسر جرينا وراء النساء البيض».