كنغارو الأشياء

TT

عاقبنا في لبنان الرئيس الراحل ابو عمار بأن منعناه خلال القمة العربية التي عقدت في بيروت، من المشاركة حتى عبر الصوت والصورة. فعندما جاء دوره في إلقاء كلمة فلسطين تعطل القمر الصناعي والبث والصوت والصورة والالوان والشاشة والموجات والاسلاك، وذلك لأن ابو عمار وافق على اوسلو ووقعها وفرط في القضية وأمعن في التنازلات. نحن لا نوقع ولا نفرّط في اي شيء.

امس جاء الى زيارتنا في العاصمة اللبنانية بيروت، السيدان محمود عباس (ابو مازن) واحمد قريع. واقمنا لهما ما يستحقان من استقبال وحفاوة وتكريم. اولاً لما يمثلان، وثانياً لما هما عليه. ولكن كانت هناك مشكلة تفصيلية صغيرة : اليسا الرجلين اللذين ترأسا محادثات اوسلو؟ الم يكن ابو مازن نفسه رمز التنازل العرفاتي؟ الم تكن صحف بيروت في افتتاحياتها تسميه لكي تلعنه؟

قضي الامر. الآن ابو مازن وابو علاء في القصر الجمهوري، في القصر البرلماني. في القصر الحكومي. وطبعاً، في قصور المخيمات البائسة التي تملأ لبنان فقراً وحزناً وحرماناً. فلا شيء يدوم في السياسة، لا شيء. وهذه حسنتها الكبرى. انها كنغارو كل شيء. تستطيع ان تحمل في بطنها الخارجي كل الأحقاد والإساءات وفظائع الكلام وفظاعات المواقف والهجوم والتراجع والانسحاب والتعابير الآسنة. كل شيء. كل شيء دون استثناء.

هل هذا كل شيء ؟ لا. اطلاقاً، ليس هذا كل شيء. فان ممثل فتح في لبنان العميد سلطان ابو العينين، محكوم بالاعدام بموجب حكم قضائي. ومع ذلك فقد كان هو مرافق الزعيمين الفلسطينيين في جولتهما اللبنانية. وكان ابو العينين يحمل رتبة عقيد في فتح، فلما صدر عليه الحكم بالاعدام رفعه ابو عمار الى رتبة عميد نكاية بالحكومة والدولة والقضاء. ولم يعد في امكان العميد ان يغادر مخيم عين الحلوة الا فقط لزيارة الاصدقاء والاهل. اما الآن فقد اصبح في امكانه، والحكم على كتفيه، ان يرافق الزعامة الاوسلوية في ترحالها الرسمي والاستقبالات التي اثارت عواطف ابو مازن فلم يعد يلقي كلمات لوصفها او للتعبير عن تقديرها.

تلك هي السياسة يا صديقي. لذلك انصحك بألا تفرط في الكلام او في العداء. روق. شوي. شوي. لا عداوات دائمة ولا صداقات دائمة بل وقاحة دائمة. وقلة حياء. ومساكين اولئك الذين اختاروا الشهادة والموت والفقر والعذاب في سبيل سياسي ما. مساكين.