قلق في إيران من عراق مستقر يوظَف ضدها

TT

هل ادت تصريحات العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني دورها؟ فهو اشار الى الهلال الشيعي، مذكرا بذلك بوثيقة وضعها حزب الدعوة الشيعي العراقي في بداية الثمانينات، عندما انتصرت ثورة آية الله الخميني في ايران، فأشار فيها الى «الهلال الشيعي الممتد من شمال افغانستان حتى جبل عامل في جنوب لبنان». تصريحات الملك الاردني ـ رفضها البرلمان العراقي ـ اثارت حفيظة القيادة الايرانية، خصوصا ان الملك اطلقها من واشنطن، لذلك شملت ردود فعل الناطق باسم الخارجية الايرانية حميد رضا آصفي، الاردن وواشنطن و... الحملة على الاسلام. قال اصفي يوم الاحد الماضي، ان ملاحظات العاهل الاردني «غير واقعية وغير مسؤولة وتتضمن اهانة واضحة للشعب العراقي وتأتي في وقت يضغط النظام الصهيوني على العالم الاسلامي»، ثم وصف اميركا بانها ليست بالحجم المناسب من حيث الكبر لتشن هجوما عسكريا على بلاده، واتهم وزير الخارجية الاميركي كولن باول بانه «تخيل انه تحادث مع وزير خارجية ايران كمال خرازي» عندما جلسا متجاورين الى طاولة العشاء الرسمي في مؤتمر شرم الشيخ. باول قال انه بحث مع خرازي حاجة الشباب الايراني الى الوظائف، آصفي قال ان خرازي كان يتحدث مع وزراء خارجية آخرين، و«تنصت» باول على حديثهم «ليدعي لاحقا انه تحادث شخصيا مع خرازي»! ما لم يقله اصفي، ان ايران اطلقت سفينة نفط عراقية كانت اعترضتها الشهر الماضي اثناء ابحارها بالقرب من مياه نهر ارفاند الايراني، المتاخم للعراق وتنقل 6 آلاف طن من النفط، لكنها لم تطلق سراح طاقمها (10 اشخاص) بعد. كما ان اصفي لم يأت على ذكر الخلافات السنية ـ الشيعية التي بدأت تتحرك في اقليم بلوشستان وفي زهدان وسيستان، رغم ان وزير الامن الايراني (الاعلام) علي يونسي اتهم «المحرضين على الاجرام» بتوزيع اشرطة واسطوانات تكشف عن الخلافات السنية ـ الشيعية هناك.

لكن، ايران ليست النظام الامثل الذي يتطلع اليه العراقيون، رغم كل المصائب التي يتخبطون فيها، ورغم العمليات الانتحارية وتجارة الخطف السائدة حاليا، فهم لا يتطلعون لنظام يزج بكل من يفكر تفكيرا مخالفا له، بالسجون، وعندما يطلق سراحهم ينقلهم ذووهم الى المستشفيات، ومنهم الصحافية فيرشتيه قاضي التي اطلق سراحها يوم الثلاثاء قبل الماضي بعد 40 يوما من الاعتقال والتعذيب، بتهمة «التعاون على نشر التقارير الصحفية على مواقع الانترنت»، وقال زوجها: «نقلناها فورا الى المستشفى بسبب وضعها الجسدي والنفسي»، اضافة الى الذين يعدمون من الشباب في الساحات العامة، وليس من مجال لنشر القائمة الاخيرة فقط.

لكن، كل هذا لا يعني ان العراق ليس في خطر، مع اقتراب اجراء الانتخابات النيابية في 30 من الشهر المقبل، او ان ايران لا تتدخل، او لن تتدخل في العراق، او ان الوفاق على اتمه بين شيعة العراق وشيعة ايران.

في خضم التحضير للانتخابات العراقية، لا يزال العالم السني المحيط بسنة العراق، في حالة عدم استيعاب للتغييرات السياسية الجذرية التي اسست وتؤسس، لا محالة، لنظام شيعي في العراق، وهذا بدوره سيؤدي لاحقا الى اعادة رسم التوزيع الشيعي ـ السني في منطقة الخليج بالذات. اما شيعة العراق فان اغلبهم حارب ضد ايران خلال الحرب العراقية ـ الايرانية في الثمانينات، كما ان نظام صدام حسين ضم شيعة مدنيين وعسكريين، وايران لا تراقب الآن امرا حتميا وهو ان الحكم المقبل سيكون شيعيا، بل أي نوع من الشيعة سيكون، مع او ضد ايران! وهذا اكثر ما يهمها، خصوصا ان برنامج آية الله علي السيستاني لا يلتقي باستمرار مع ايران، وحسب خبير ايراني سياسي، فان ايران قلقة من عراق مستقر، «لانه قد يُوظَف ضدها، فهو قد يُضاف الى مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي ويقوي بالتالي حق دولة الامارات العربية المتحدة ومطالبتها بالجزر الثلاث، طنب الكبرى، وطنب الصغرى وأبو موسى، وبالتالي يُعاد تشكيل الاطار الامني الاقليمي بطريقة تضر بمصالح طهران»، ويشير محدثي الى توتر ايران من اقامة قواعد عسكرية اميركية بالقرب من حدودها، «من دون ان ننسى التهديدات الاميركية ـ الاسرائيلية المتقطعة، بتوجيه ضربات في العمق الايراني ضد المنشآت النووية».

على كل، تبقى الانتخابات العراقية هي الامر الفاصل الآن، وهي ستجري لان السيستاني يريدها ان تجري، فهو يعرف انها الفرصة الاولى والحقيقية لشيعة العراق ليصلوا الى الحكم، لكن اغلبية السنة لن يشاركوا فيها، بسبب هجوم الفلوجة المستمر، ثم ان الانتخابات لن تقلص المقاومة السنية، مهما تعددت اوصافها، والسنة العلمانيون في بغداد بدأوا يرددون ان عراق ما بعد الانتخابات لن يشبه أي نظام ديمقراطي، لكنه سيكون «اوليغارشية شيعية منتخبة».

بعد الانتخابات سيصل 275 عضوا الى البرلمان، وهؤلاء سيختارون رئيس وزراء واعضاء حكومة، الاسم المطروح لتولي رئاسة الحكومة المقبلة، هو ابراهيم الجعفري من حزب الدعوة! (بدأت حملة المحافظين الجدد في واشنطن تنهش رئيس الوزراء الحالي اياد علاوي، فهو بنظرهم تراجع عن وعده للرئيس الاميركي جورج دبليو بوش بتعيين كنعان مكية سفيرا للعراق في واشنطن محل السفيرة الحالية رند رحيم فرانكي، كما يستغلون اتهامات يوجهها ضده خمسة نواب له كرئيس لحركة الوفاق الوطني استقالوا من مناصبهم). هناك من يقول في العراق ان الجعفري اليوم هو السياسي الاكثر شعبية، البرلمان المنتخب سيضع النص النهائي للدستور الذي ستتم المصادقة عليه بعد انتخابات عامة ثانية ستجري في نهاية عام 2005. لذلك، فان اكثر ما سيعمل لأجله السيستاني هو ان تكون الحكومة المقبلة اسلامية صرفة، لا علمانيين او قوميين فيها، وهو رغم نفوذه عجز عن اقناع كل الشيعة في الانضواء تحت رايته وابرزهم مقتدى الصدر المتوقع ان ينال 28% من المقاعد، كما ان عددا من الشيعة العلمانيين مستاء جدا لان 40% من مقاعد لائحة السيستاني اعطيت للاحزاب الدينية التي تطالب بولاية الفقيه، كما ان النساء الخمسين في اللائحة يجب ان يضعن الحجاب.

يبقى ان المقاتلين السنة نجحوا في ابعاد السنة العرب العراقيين عن المشاركة في الانتخابات المقبلة، ولقلب هذه المعادلة يضخ الاميركيون كميات كبيرة من المال لكسب زعماء العشائر السنية ـ كما فعلوا في افغانستان ـ ذلك ان مقاطعة السنة تقلص الى درجة، تقرّب من الالغاء، شرعية الحكم المقبل، ثم مهما قيل، فان العراق لا يمكن ان يتمتع بدستور حقيقي ودائم من دون فعالية سنية، حتى لو انه صار واضحا ان الاغلبية البرلمانية ستكون دائما شيعية. ويبقى هناك سؤال آخر مهم: لمن ستعود كركوك وحقولها النفطية: للسنة العرب او للاكراد؟ ويتخوف مرجع بريطاني من ان تكون نتيجة مقاطعة السنة للانتخابات هي: الحرب الاهلية، او بلقنة العراق، ويشير الى اجتماع 600 موفد شيعي في النجف لاقتطاع جنوب شيعي واسع، ويذّكر باقتراح موفق الربيعي، مستشار الامن القومي، الذي نادى بتقسيم العراق الى خمس مقاطعات: واحدة للاكراد، واثنتان للشيعة واثنتان للسنة. ويقول المرجع: اذا تمت الموافقة على هذه الخطة، فان التركمان والمسيحيين سيطالب كل منهم بحصة له، «هذا اذا لم يتم تهجير كل المسيحيين قريبا من العراق»! ويضيف: ان بلقنة العراق، او ما سمي بشكل مخفف: الفيدرالية، هي المشروع المركزي الذي وضعه المحافظون الجدد لكل الشرق الاوسط، وتمت مناقشته اولا وقبل الغزو، في الاردن عام 2002، وهذا سيسبب الكثير من الفوضى، «انه منطق الامبراطورية البريطانية السابق: فرّق تسد».

لا يعارض الاميركيون جنوبا عراقيا مقسما الى مقاطعات صغيرة، انما لن يقبلوا اقتطاع الجنوب العراقي وابقاءه مقاطعة كبرى، فهو سيتحول تلقائيا الى الفلك الايراني.

لقد غطى التركيز على اجراء الانتخابات او عدم اجرائها، على ما يجري في الفلوجة، وحسب تقرير لمنظمة الهجرة العالمية، تحول اكثر من 210 آلاف شخص أي اكثر من 35 الف عائلة الى لاجئين. الفلوجة اصبحت كتلا من الركام وما زالت مغلقة من قبل الاميركيين، تسيطر على 60% منها المقاومة. وحسب خطة يرعاها البنتاغون، «سيساق» ابناء الفلوجة الى «مراكز محددة للمدنيين»، وقبل دخولهم الى هذه المراكز سيخضع كل واحد لفحص الحمض النووي (DNA) ولمسح شبكة العين، ويجبرون على وضع «شارات» على ملابسهم تحمل اسماءهم وعناوين منازلهم: ستمنع السيارات من دخول المدينة، تجنبا للعمليات الانتحارية، والذكور المدنيون من ابناء الفلوجة سيتوزعون على فرق تدريب «شبه عسكرية»، وحسب «مهاراتهم التي ستظهر اثناء التدريبات» ستحدد لهم اعمالهم، اما في البناء او مد انابيب المياه، او جمع الركام!

ألا تعيد هذه الخطة «الحضارية» الى اذهاننا مشاهد قرأناها وتصورناها عن معسكرات ستالين في سيبيريا او معسكرات اعتقال هتلر. وهل يبقى الانسان شيعيا او سنيا، اذا تم تجريده من كرامته وانسانيته من اجل «بناء المدينة المثالية».

الاهم، ان الانتخابات ستجري الشهر المقبل، والافضل ان ننام بانتظار ذلك الموعد!