دعوة للضحك.. عدالة أميركا الخاصة

TT

أدانت هيئة محلفين هذا الاسبوع أربع منظمات وقادتها بقتل شاب عمره 17 سنة، وحكمت لوالديه بتعويضات قيمتها 52 مليونا، يقضي القانون الأميركي بأن ترتفع تلقائيا ثلاثة أضعاف لتصبح 156 مليونا. ولكن لا علاقة لهذه القضية بالعدالة بقدر ما هي تعبير عن النفاق وتزايد العنصرية والكراهية والتعصب ضد العرب الأميركيين.

فالضحية في هذه القضية هو ديفيد بويم الذي قتل قبل ثماني سنوات في هجوم إرهابي نفذته حماس. وحماس بالطبع هي منظمة غير أميركية تعيش في حالة حرب ظلت مستعرة هناك منذ 1947، مع بلد أجنبي هو إسرائيل. وليس ثمة دليل واحد على أن هذه المنظمات أو قادتها كانوا على أية علاقة بقتل ديفيد بويم. وللعلم، فإذا حدث مثل هذا في بلاد أخرى، فلا يمكن للمحلفين أن يدينوا هذه المنظمات بقتل ديفيد بويم، ما داموا في كامل قواهم العقلية. ولكن الأمر يتعلق هنا بإسرائيل، وبالقانون الأميركي الذي يسمح للإسرائيليين بحمل الجنسية الأميركية، إضافة إلى جنسياتهم الإسرائيلية. وليس هذا هو أهم الجوانب في هذا القرار القائم على المعايير المزدوجة والتعصب، والذي حفز المحلفين على اتخاذه بهذه الصورة المضحكة. وربما كنت سأفرح لهذا القرار، لأن أغلب هذه المنظمات متطرفة، فالرابطة الإسلامية من أجل فلسطين منظمة متطرفة، ارهبت كثيرا من الأميركيين وابتزتهم، ولكنها فعلت نفس الشيء بالنسبة لبعض الفلسطينيين.

لقد أدينت هذه المنظمات بتأييدها لحماس، ليجعلها هذا التأييد مسؤولة عما تقوم به من أفعال. وبفضل توجهات الكونغرس الموالي لإسرائيل، اجيز قانون خاص يتيح للإسرائيليين الذين عانوا من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، أن يرفعوا قضايا مدنية، إذا كانوا يستطيعون أن يبرهنوا أن سبب معاناتهم كان «الإرهاب». وعملا بنفس المقياس فإن الفلسطينيين الذين قتلتهم الحكومات الإسرائيلية المتطرفة طوال السنين، يمكن، نظريا على الأقل، أن يرفعوا قضايا يقولون فيها أن أفعال إسرائيل كانت هي السبب في موت أولادهم أو بناتهم.

وهناك عدة قضايا من هذا القبيل. فالطالبة الأميركية ريشيل كوري، قتلت، ليس قبل ثماني سنوات، بل قبل سنتين فقط بواسطة جنود اسرائيليين كانوا يعتزمون تدمير منزل اسرة فلسطينية، ببلدوزر أميركي الصنع. ويمكن للأسرة الفلسطينية أن تتقدم بشكوى ضد شركة كاتربيلر، كما يمكن لأسرة كوري أن تقدم شكوى ضد الحكومة الإسرائيلية. ولكن النفاق الأميركي كان سيقذف بهذه القضايا باحتقار وتكبر. فالقانون الذي حكم لصالح أسرة بويم هدفه فقط حماية ضحايا الإرهاب من المواطنين الإسرائيليين. إنه لا يحمي الفلسطينيين الذين يروحون ضحية الإرهاب الإسرائيلي، بل ولا الأميركيين الذين يقتلهم الجنود الاسرائيليون. وثمة شواهد قوية على أن النظام القضائي الاميركي متحامل حاليا بنفس درجة تحامل الصناعات الترفيهية، فأنت تستطيع أن تخرج فيلما يفيض بالكراهية ضد العرب والمسلمين في هذه البلاد، ولكنك لا تستطيع أن تقيم معرضا تراثيا فيه بعض النقد للإرهاب الإسرائيلي.

ولكن المعايير المزدوجة لم تبدأ مع 11 سبتمبر، لأنها صارت أسوأ بعد ذلك. وقد قتل 14 شخصا «يبدو من ملامحهم أنهم من الشرق الأوسط»، بعد ستة أسابيع من هجمات سبتمبر ولكن ليس هناك في أميركا من يعتقد أن ذلك يستحق التحقيق، هذا إذا تجاوزنا عن آلاف العرب الذين اعتقلوا بصورة غير قانونية، ليس لسبب غير دينهم وجنسهم، أو لقول جارهم الأميركي إنهم يشبهون الإرهابيين.

محلفو أميركا يحكمون على العرب من منطلق عنصري وديني، ولا يوجد شخص على استعداد لانفاق امواله للتحقيق والتحقق من ذلك، صحيح ان مقتل ديفيد بويم مأساة، ولكن مقتل كوري ايضا مأساة، وكذلك مقتل 14 شخصا تبدو ملامحهم شرق اوسطية، ولكن لا أحد يهتم بالدفاع عنهم.

*صحافي أميركي من أصل فلسطيني ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»