بلاد تولستوي و... أولغا

TT

اعطى الروس الأدب العالمي في القرن التاسع عشر عددا من الاسماء التي لم تجار في الغرب: تولستوي. دوستويفسكي. تشيكوف. بوشكين وعشرين عملاقا آخر على الاقل. وفي القرن التالي، قرن السوفيات، غابت الاسماء الروسية الكبرى وراء قوانين الرقابة والروايات التي يجب ان تنتهي بخاتمة سعيدة من اجل معنويات الحزب. اليكم هذا الحوار من رواية «القلب الكبير» لانطونوف 1957:

«كانت اولغا صامتة.

«صرخ فلاديمير قائلا، لماذا لا تحبينني مقدار ما احبك».

«انني احب وطني» ردت اولغا.

فأجاب متعجبا: «وأنا أيضا». لكن اولغا استطردت تقول «وهناك شيء احبه بقوة اكثر ايضا».

فسأل ماذا؟

فأغمضت اولغا عينيها الزرقاوين وأجابت بسرعة: «الحزب».

كانت الرقابة السوفياتية تحدد للكاتب أبطاله وطباعهم والاطار الذي يتحركون فيه. وطبعا، الخاتمة السعيدة. فهذا هو المجتمع الكامل، الفائق السعادة، المكتفي، الذي تخلى عن ايمانه ومشاعره وحبه لقريته وشغفه بالحقول وضعفه حيال أولاده، وكرس نفسه لشيء واحد: الدولة، وتعاليم ماركس ولينين وأقوالهما. ولذلك لم تصدر طوال قرن، سوى الاعمال التي لا مكان لها خارج المكتبات الرسمية. وما عرف منها في الخارج، مثل «الدكتور جيفاغو» لبوريس باسترناك واعمال سولجنتين، كان ممنوعا وملعونا في الداخل.

وفي هذه السنين ظهر عشرات المؤلفين في العالم، وحل الروائيون اللاتينيون محل عمالقة روسيا. وتنقلت جائزة نوبل للآداب حول العالم والقارات. وعرفت فرنسا بعضا من اعظم كتابها وشعرائها. والمفارقة ان ابرز هؤلاء الشعراء كان الشيوعي اراغون، وابرز الفلاسفة كان يساريا ومعظم التيار الادبي في فرنسا وايطاليا واليونان، كان مرتبطا بالشيوعية، من الروائي نيكوس كازانتزاكيس الى الفنان ثيودوراكيس. اما في موسكو نفسها فلم يخرج فنان او موسيقي او كاتب في هذا الحجم. وفي مرحلة حاولت الدعاية السوفياتية ان تروج في الخارج للشاعر الشاب (آنذاك) يوفشتنسكو كمنافس لشعراء الحداثة في الغرب. وكان الأمر فاضحا ومفضوحا. لكنني عندما عدت، بدافع الفضول، الى قراءة اعماله مؤخرا، وجدت انه شاعر رائع، وان جمالياته ورقته وشفافيته هي شفافية الروس القدماء وارث بوشكين. ولذلك يحذرنا بالحزن ويمكن ان يقع في حب امرأة بدل ان يظل هائما مدى الدهر في نصوص ماركس وخطابات لينين.

عندما ذهبت الى موسكو في المرة الأولى، قال لي سفير لبنان الراحل نعيم اميوني، ان الاتحاد السوفياتي يطبع اكبر نسبة من الكتب في العالم. ثم استدرك: «لكن ليس بينها كتاب واحد من الأدب العالمي». الآخرون هراطقة رأسماليون يهوون الحرية.