موعظة من القراء وبريق من الأمل

TT

لم أتوقع كل هذه التعليقات على المقالات الوجيزة عن سلطنة عمان والتي أعربت عن ارتياحها لما قلته، كما فعل خالد الحامدي من عمان ومحمد احمد محمد من مصر ومحمد الواسطي من كندا واحمد بربر من المانيا والسيد علي من كندا واحمد الحمداني من السويد وايمن السالم وخالد النقيب وسواهم، حتى غريمي احمد الدالاتي لم يتردد في الثناء على ما ذكرته عن عمان كمثل صادق للاعتزاز به في ديار العرب والمسلمين.

ما قاله الدالاتي في اشارته هذه قادني الى السر في الحماس الذي أبداه القراء حيال ما كتبت في هذا الصدد. تملكتنا في هذه الأيام مشاعر اليأس في مصيرنا كعرب ومسلمين. كثيراً ما وقعت فيه شخصياً وأنا أتابع ما يجري في عالمنا المتخلف والمجنون. دأبنا على مواجهة هذه الأسئلة: هل هناك عيب بايولوجي في جيناتنا تجعلنا نسلك هذه المسالك الحمقاء؟ هل يعود انتشار كل هذا الفساد والنهب والسرقات إلى تقاليد عرب الجاهلية التي ظلت مغروسة فينا، أو إلى تبعات فساد الحكم العثماني؟ هل الديمقراطية مفهوم لا مكان له في شريعتنا؟ هل نحن قوم عاجزون عن تقبل النهج الديمقراطي؟ اسئلة كثيرة اخذت تتردد على الألسن وتبعث في نفوسنا مشاعر الاحباط والقنوط والاستسلام والهرب من ديارنا.

أريد أن أقولها بصدق وصراحة. زيارتي لعمان أعادت لي جذوة الإيمان بقدراتنا ومستقبلنا. باستثناء اليمن، زرت في حياتي كل الدول العربية، وبعضها عدة مرات. خرجت ولم أكتب عنها شيئاً، بل وكتبت أحياناً ما لا يسر أصحابها المسؤولين فيها فامتنعوا عن تكرار دعوتهم لي. كانت زيارات عمقت مشاعري اليائسة عن أحوالنا ومصيرنا. لكنني في عمان وجدت واحة يانعة وسط عالم من الخراب. هذا بلد عميق في عروبته وديانته وبداوته. لكن كل ذلك لم يحل دون أخذه بمعالم الحداثة والعصرنة والتطور. وكله يجري بانسجام وسلام وهدوء.

لا أحد هناك يتناقش ويتعصب في موضوع الحجاب، لكن كل العمانيات تقريباً يرتدينه عن قناعة وإيمان. لا أحد يتعرض للقليلات اللواتي آثرن السفور. هناك أربع وزيرات وعدد أكبر أعضاء في المجلس.

كانت هناك حرب أهلية ما لبث القوم أن ادركوا اضرارها واخطار أي نزوع للسلاح. وبدأت البلاد تخط مسيرتها السلمية التدريجية نحو العيش الديمقراطي. فازت مسقط، مدينة الزهور، مرتين بجائزة أجمل مدينة عربية.

عمان بارقة أمل تبشر بقدرة العرب والمسلمين على التطور ومواكبة العصر وتبني العقلية الديمقراطية، وتحاشي العنف وتفهم حقائق العلوم والتقنية وتقبل اكتشافاتها وتطبيقاتها. هذا ما هزَّ مشاعر القراء وحرك حماسهم نحو ما كتبت. لقد أدركوا فيما كتبت أن المواطن العربي والأخ المسلم لم يمت بعد.