ما بعد الكارثة

TT

يحلو لنا تصوير ثورات الطبيعة المتمثلة في البراكين والزلازل على انها فورة غضب من الطبيعة لما تخلفه من خسائر مادية وبشرية ضخمة مثلما حدث في الزلزال الذي وقع في المحيط الهندي وما أعقبه من أمواج عملاقة مسحت الشواطئ من آسيا الى افريقيا وأدت الى مقتل أكثر من 22 ألفا، حسب آخر الإحصاءات.

لكن الحقيقة ان هذا هو جزء من الحركة الطبيعية للأرض وجيولوجيتها المستمرة منذ ملايين السنين، كما يقول العلماء، وهي تفاعلات مستمرة طالما استمرت الأرض كوكبا صالحا للحياة، ولا يوجد أمام البشر سوى التعامل مع هذه الظواهر الطبيعية، ومحاولة التخفيف من أضرارها.

وللأسف، فإن الفقراء هم دائما أكثر المتضررين من هذه الكوارث. كما هي الحال في ما حدث في آسيا، فلو كان هناك نظام إنذار مبكر كما هو موجود في بعض البلدان الصناعية الكبرى لأمكن تخفيف الخسائر الى حد كبير عن طريق إخلاء الشواطىء في الساعات القليلة التي أعقبت وقوع الزلزال في قلب المحيط ووصول الأمواج العملاقة التي أحدثها الى شواطئ الهند وسيريلانكا وماليزيا. وحتى بعد أكثر من 24 ساعة من الكارثة ووصول التأثيرات الى دولة مثل الصومال لم تكن هناك استعدادات وفقد أكثر من 100 صياد في البحر نتيجة الأمواج.

المهم جاء الآن دور المساعدات لمعاونة البلدان المتضررة التي منيت بخسائر فادحة وأصبح ملايين فيها متشردين أو فقدوا منازلهم وبدأ العالم في تنظيم جهوده للتعرف على الاحتياجات هناك والتعامل مع هذه الكارثة غير المسبوقة، وبالتأكيد ستكون هناك حاجة ماسة الى مساعدات مالية وعينية وطبية حتى تستطيع هذه الدول أن تواجه أوضاع ما بعد الكارثة. ورغم الكارثة، فإن هذه الكوارث فرصة لإثبات تضامن البشر وتآخيهم في حالات الأزمات.

وما يتمناه المرء ان يكون هناك دور نشط عربي في تقديم المساعدات الى هذه الدول وبشكل سريع، فالمساعدات الفورية هي جزء من إظهار التضامن وكسب الأصدقاء، خاصة ان معظم الدول المتضررة دول صديقة، وكان لها دور بارز في دعم القضايا العربية في العقود الأخيرة.

ونتمنى ان تثبت الجمعيات الأهلية الخيرية العربية أو الإسلامية التي اتهم عدد منها بأنها غطاء لتوفير الدعم للإرهاب الدولي أن هذه الصورة غير صحيحة عنها، وانه إذا كانت هناك قلة فعلت ذلك فان الغالبية أهدافها إنسانية في المقام الأول وذلك عن طريق المساهمة الناشطة في توفير ما يمكن ان تقدمه من مساعدات الى الدول المتضررة.

وبالطبع فان حجم الأضرار والكارثة يتجاوز بكثير إمكانيات الجمعيات الخيرية أو منظمات الإغاثة الإنسانية في العالم، فهذا الحجم يحتاج الى إمكانيات دول وحكومات، وقد تكون هناك حاجة الى تشكيل صندوق دولي لهذا الغرض.