2005: الانتخابات الأولى

TT

يشهد العالم العربي هذا العام انتخابات عامة في بلدين أساسيين: الأولى في فلسطين، حيث التجربة البرلمانية على مستويات مقبولة، والثانية في العراق، حيث يقترع فريق بصمته وفريق آخر بأجساد المفجرين والمتفجرين.

في فلسطين سوف تؤدي الانتخابات على الارجح الى تأكيد الاستمرارية. وسوف ترتفع صورة الوارث مكان صورة الموّرث. وهناك دائما اختلافات مهما كان الشبه كبيرا. وقد يتحقق مع ابو مازن العادي ما لم يتحقق مع ابو عمار المتفوق. والى الآن اظهر الفلسطيني انه ناخب شغوف وانسان حر مهما كانت درجة الاحتلال. والانتخابات البلدية كانت مظهرا حضاريا غير مفاجئ.

في العراق يخوض الجيش السابق حربه الكبرى ضد اميركا، تحت اسماء كثيرة وعناوين كثيرة بينها الرفيق ابو مصعب الذي تصدر بتوقيعه بيانات الحزّ. وهذا لا يعني ان احمد الخلايلة ليس موجودا او انه يأبى القيام بمثل هذه الاعمال. كما لا يعني ان لا دور للشيخ المجاهد الذي دعا الى مقاطعة الانتخابات. لكن الذي يقود العمليات العسكرية في العراق ويديرها ويمولها هو جيش صدام حسين.

وهذا الجيش الذي خاض حربا مأساوية في ايران وحربا مذلة في الكويت، يخوص الآن على ما يبدو حربه الاولى ضد القوات الاميركية.

لا بد ان نتذكر خطب صدام حسين الاخيرة قبل سقوط بغداد عن استدراج الاميركيين الى معركة. وايضا كلام محمد الصحاف عن معركة بغداد مع العلوج والاوغاد. فالمواجهة بين قوتين شديدتي التفاوت كانت مستحيلة. ولذلك تحول الجيش النظامي الى جيش عصابات.

وارتكبت الرعونة الاميركية خطأها الاكبر عندما حلّت الجيش وجرّدت كبار الضباط وأرسلتهم الى بيوتهم من دون رواتب او كرامات او لياقة. جيش بأكمله يحل في لحظة واحدة ويتوقع منه ان يبقى في المنازل او ان يتمشى في الحدائق العامة ويتناول السمك المسقوف على ضفاف دجلة.

احب ان اذكر بما كتبت لحظة سقوط بغداد. وهو ان الحرب الحقيقية لا تخاض من الجو. لقد بدأت الحرب الحقيقية الآن. والذين خدعوا اميركا مرة يمكن ان يخدعوها مرات كثيرة، وأن يخدعوا سواها ايضا. واميركا التي تتذمر الآن من دور ايران وسورية كان يجب ان تدرك الف باء الجغرافيا والديموغرافيا. وكان يجب ان تدرك ان الديموقراطية في العراق لا تقوم بمجرد ان يتحدث المستر بريمر عن حقوق الصابئة والتركمان في هذه الفسيفساء المعقدة، الشديدة التعقيد، من التواريخ والعداوات والانصهارات والثارات والقبائل.

المجتمع الفلسطيني، في ارضه وفي شتاته، مجتمع مدني قام على حق الاختيار حتى في عز الثورة. وفي مرحلة ما كان جورج حبش في موازاة ياسر القدوة. وبرغم كل تجاوزات الثورة وارتكاباتها فانها لم «تستعرب» على الاطلاق، بل ظلت الحريات في ظلها معقولة والسجون السياسية نادرة والصحف عالية الصوت. وقد تفرد ابو عمار بالقرار لكنه لم يتفرد بالحكم. واحب نفسه لكنه لم «يتأله» ولم يفرض على الناس فريضة العبادة. وقد أحبه الفلسطينيون اكثر بكثير مما ارتعد العراقيون من صدام حسين. لذلك في فلسطين ارض خصبة للتجربة الديموقراطية برغم الاحتلال وفي العراق العكس.