البحث عن معنى

TT

لكل منا عالمه الخاص الذي تسكنه أمنيات خاصة جدا تتشكل على مدى السنين والتجارب والعلاقات بأنواعها.

في اول شبابي كنت اتصور عالما خاصا يشاركني فيه زوج واولاد في بيت صغير وانيق لا تسمع فيه لاغية. ولم اكن انتبه الى ان تلك الامنية لم تكن فريدة ولا شديدة الخصوصية لأن 99 % من البنات في العالم على اختلاف الظروف الثقافية والحدود الجغرافية يشاركنني إياها. كانت الأمنية اشبه بالخطوط الافقية والرأسية التي يرسمها الطفل.

تدريجيا اكتسبت الأمنية ملامح جعلتها اكثر خصوصية واصبحت لصيقة بي كفرد وكإنسان. اكتشفت مثلا انني اجد في القراءة متعة لا تعادلها متعة اخرى واكتشفت انني لا اقرأ حبا في القراءة فحسب بل انني اقرأ بحثا عن معنى. واكتشفت ايضا ان البحث عن معنى يصب في مستودع واحد سواء كانت القراءة في الادب او في التاريخ والسياسة او في العلوم. ثم اكتشفت بلا معونة من احد انني لو قدر لي ان التقي بالنصف الذي تكتمل به حياتي فانني حتما سوف التقيه عند باب ذلك المستودع.

وقد كان، حيث انني تزوجت رجلا لا يكف عن القراءة واصبحت الكتب تحاصرني في البيت اينما وليت وجهي والاحاديث الدالة بيننا هي اقرب الى التراشق بالافكار. ورغم انني اعبر عن استيائي من طغيان الكتب واستعمارها لفضائي المنزلي اشعر سرا بالغبطة. يكفي ان آخذ كفايتي من النوم واقوم والناس نيام والنهار يتسلل مهلا ليحل محل الليل فاشعر بحرية واكتفاء وسط الهدوء. وبعد فنجان قهوة اول اليوم اعلم علم اليقين أن الفضاء الذي اسكنه في تلك الدقائق والساعات لا يشاركني فيه سوى افكاري ومادة للقراءة تكفيني وتغنيني ما شئت وتشعرني بأن الحرية الحقة هي حرية العقل يستوعب ويحلل ويصل الى قناعات تضيء له الطرق مهما كانت وعرة او مظلمة. سألتني ابنتي في آخر ايام العام الفائت عن الشيء الذي لو فقدت كل شيء اتمنى الا افقده فقلت بلا تردد: ستر من الله . فالستر هو ان تشعر بالحرية والاكتفاء وذلك النوع من الصفاء الذي تجربه حين تصبح قاب قوسين او ادنى من الوصول الى معنى.

لم يسعني الا ان اسأل ابنتي السؤال نفسه، ولم يدهشني انها قالت: فرصة العثور على الحب.

ذكرتني اجابتها بحلمي الفتي ذي الخطوط الرأسية والافقية التي حددت معالمه التجارب فيما بعد. تمنيت الا تحرمها الحياة من فرصة العثور على معنى. وادركت انها بدون قصد القت الي بفرصة ذهبية للدخول الى عالمها الخاص وممارسة جانب ايجابي من واجباتي كأم. فسألتها: وهل تعرفين الصفات التي تتمنينها في الانسان الذي تبحثين عنه كحبيب؟

في تلك اللحظة الحميمة امتد دوري كأم وتعمق واكتسب معنى جديدا قد يصب يوما في مستودع المعاني التي تغني ابنتي في الحياة.