ما بعد فوز محمود عباس ..!

TT

لن تختفي المآسي والجرائم التي حملتها السنوات العشر الماضية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حتى ببزوغ موجة من التعاملات الإنسانية أو الموضوعية على طول الخط الأخضر. ومع ذلك، فالأسابيع القليلة القادمة تقدم للطرفين فرصة لصناعة نوع من التقدم من خلال السير الى الخلف.

ولعل المفتاح الرئيس لتوظيف هذه الفرصة يكمن هو الآخر بالعودة للخلف ، الى الهدوء النسبي والوعد اللذين حملهما عام 1995 في اسرائيل ، ولدى الفلسطينيين والبيت الأبيض ، فيما بقيت الحكومات الأوروبية أكثر واقعية واعتدالا حول ما يمكن إنجازه فيما لو فاز محمود عباس (أبو مازن) بانتخابات بعد غد الأحد كما هو متوقع.

ومن هنا فهذا هو عباس يمشي في أرض الفدائيين الحارة بالأراضي المحتلة ، فيشجب «العدو الصهيوني من جنوب غزة يوم الثلاثاء الماضي» واعدا بأن لا يهاجم أبدا «مقاتلي الحرية من حماس وحزب الله»، من مدينة غزة يوم الأثنين الماضي ، فيما لقي الهتاف والترحيب من المسلحين الفلسطينيين المطلوبين من قبل إسرائيل (جنين30 ديسمبر الماضي).

في المقابل تركت حكومة شارون كل ذلك يمضي كنوع من (الخطابة السياسية)، فيما سمح له تكتيكيا بالقيام بحملة انتخابية في القدس الشرقية ، وهو تنازل سياسي حساس من شارون ، ولكن ذلك قرار استراتيجي من المحارب القديم (شارون) لتسهيل مهمة انتخاب أبو مازن لجعله شريكا أو وسيطا ذا مصداقية .

والى ذلك فلا بد أن تبقى القوات الإسرائيلية بعيدة عن مراكز الاقتراع الفلسطيني والمناطق الحضرية خلال عطلة الأسبوع ، بغض النظر عن التجاوزات التي يمكن أن تحدث لقاء هكذا إجراء، يمكن أن يبرره تمكين العالم من مشاهدة الفلسطينيين وهم قد تلقوا فرصة لإجراء انتخابات حرة وعادلة ، فيما يكون على الزعيم الإسرائيلي أن يتحرك بسرعة بعد الانتخابات لإشراك محمود عباس في التنسيق للانسحاب الموعود للمستوطنين الاسرائيليين والقوات من غزة، لأن مساندة مصداقية عباس (كرئيس) أهم بكثير من مساندة مصداقيته كمجرد مرشح.

في المقابل، لا بد من الإقرار بأنه من الصعب استبدال الانحدار اللولبي الذي تولد بعد اغتيال اسحق رابين عام 1995، واختراقات بنيامين نتنياهو لاتفاقات أوسلو، وعودة عرفات للإعاقات والإرهاب في صيف 2000. ومع ذلك فأمام عباس مسؤوليات أكثر ثقلا من محاربة الإرهاب والفساد ...الخ ، وفيما يبدو فهو على تفهم نخبوي لتلك المهام ، إلا أن حملته الانتخابية استصحبت وعودا بحماية ميراث عرفات ، في وقت يصور فيه عباس نفسه من حيث الجوهر كقائد انتقالي لا يستطيع إيقاف مد الساسات الثورية لمنظمة التحرير الفلسطينية في المنافي ، ومع ذلك فربما يتجه دوره نحو فتح الطريق أمام (قيادات الداخل) مثل مروان البرغوثي ومحمد دحلان أو جبريل الرجوب ، ممن نشأوا سياسيا تحت الاحتلال الإسرائيلي ، من أجل صنع السلام بعد انتخابات في المستقبل.

ويعتبر ذلك في ذاته سببا كافيا للبدء في العمل فورا بعد هذه الانتخابات، في ما يحتمل قابلية التحقيق والإنجاز الفوري، والى ذلك توحي طبيعة حملة عباس الانتخابية والاتفاق على ائتلاف بين شارون وبيريز بأن التركيز الآن هو في دفع الانسحاب من غزة نحو بداية جيدة ، أكثر من تنظيم مؤتمرات دولية خاطفة للأضواء . ومن المثير للانتباه هنا أن كوندليزا رايس قد طورت ، وفي هدوء ، علاقات ودودة مع الرجلين أيام كانت مستشارة بوش لشؤون الأمن القومي، وهي في موضع جيد للعب دور الجسر بين الإسرائيليين والفلسطينيين أكثر من إسناد هذا الأمر لمبعوث خاص في هذه المرحلة، وفوق ذلك، فبوسعها أن توظف رحلات للعواصم الأوروبية، ومن المرجح أن تقوم بذلك قريبا فور تسلمها مهام منصبها، وذلك لأجل عمل احتوائي لمنهج (خريطة الطريق المبهم عن قصد) والذي ميز ولاية بوش الأولى .

وإذا كان بوش قد تحدث كثيرا عن سلام الشرق الأوسط، فإن انتخابات يوم الأحد ستفتح الطريق له ليعمل، حتى بطرق صغيرة في البداية ، ليبرهن أن الأمر في جوهره يحمل ما هو أكثر وأكبر من مجرد الكلام.

* خدمة مجموعة كتاب واشنطن بوست ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»