قيمة وفوضى

TT

الإثارة الاقتصادية الكبيرة والواضحة التي تعيشها السوق السعودية اليوم تأتي في المقام الأول نتاج «الفورة» الكبيرة في أسعار النفط بالأسواق العالمية واستمرار ارتفاعها، وبالتالي كان هناك ازدياد للمداخيل للسعودية المالية نتاج ذلك الارتفاع. وانعكس هذا الأمر بطبيعة الحال على مختلف الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية محليا وصب هذا في مجالين أساسيين تحديدا هما العقار والأسهم.

واللافت أن هناك «ثورة جديدة» حدثت جراء هذا النشاط العقاري المتزايد، وباتت أسماء جديدة تحتل صفحات الاقتصاد والاجتماعيات بصورة مكررة لتحدث ظاهرة «مشايخ العقار»، كما أحدثت من قبل فورات اقتصادية سابقة «مشايخ الأراضي» و«مشايخ السيارات».

وتأتي هذه الفورة نتاج الفائض المالي الذي حدث، ولكنها تأتي أيضا نتاج عدم تطور الأنظمة والتشريعات الموجودة في السعودية المعنية بالتعامل في مسألة الأراضي والاتجار بها. فقديما كان يطلق على تجار الأراضي مسمى تجار التراب نظرا لأن ما يبيعونه هو مجرد مخططات ترابية فضاء والآن تحولت هذه المهنة إلى مهن تخص مسوقين ومطورين ومروجين للعقار، ولكن الأنظمة المقننة لا تزال تتعامل مع ذلك كله على أنهم تجار تراب. فيبدو نظريا على الأقل أن المهنة تطورت وتطورت مسميات القائمين عليها ولم يصب هذا التطور الأنشطة نفسها.

وهذا بطبيعة الحال يتيح فرص العبث والغش في المساهمات العقارية التي تعلن للناس وتعدهم بما تعدهم. والقطاع العقاري الذي تتداول فيه مبالغ هائلة وطائلة تبلغ قيمتها مئات الملايين من الريالات، لم يتمكن حتى الآن من إحداث النقلة النوعية المرجوة فيه بأن يجعل هذا القطاع ذا قيمة مضافة. فلم يتمكن هذا القطاع من توظيف أعداد هائلة من السعوديين مثلا، كما أنه لم يقدم مشاريع ذات قيمة تنافسية كاستحداث مدن صناعية أو مدن تعليمية أو مدن إعلامية أو مدن طبية تعرض فيها قطع الأراضي بخدماتها اللائقة المطلوبة للمستثمر المحلي والخارجي كلا بحسب القطاع المعني لتعطي تجارة العقار بعدا ابتكاريا متطورا يمكن المتعاملين فيه من إحداث الإضافات النوعية الجادة التي من الممكن أن تثري الاقتصاد السعودي وتطوره بحرية وجدية. فحتى الآن القطاع العقاري يعتمد على المضاربة التجارية والمزايدة على الأسعار وهذه جميعها مفاهيم ذات جدوى قصيرة الأجل.

خيط رفيع يفصل ما بين الفوضى والتنظيم. الفوضى تكون مبنية على مضاربات وقطيع يلاحق بعضه، التنظيم يكون مبنيا على هدف ورؤية. والقطاع العقاري يفتقد لهذا. ودونما رؤية واستراتيجية تمكنه من إيجاد اقتصاد متنوع وبقيمة نوعية مميزة لن يكون هناك فارق جوهري كبير بينه وبين قطاع بيع أجهزة الكومبيوتر. فهي مجموعة من الأسماء تقلد بعضها لا أكثر ولا أقل.