دعم أبو مازن: لن يكون بالتفرج عليه

TT

لم يأت انتخاب أبو مازن مفاجأة يوم الأحد قبل الماضي، فالعملية الانتخابية المنتظمة والحملة المفعمة بالحيوية التي سبقتها مع الانفتاح على الإعلام، أثبتت كلها مرة أخرى، أنه في حال تشكل دولة فلسطينية، فستكون أول دولة ديمقراطية في العالم العربي. لكن الدولة لم تشكل بعد، والنظام الذي يرأسه الآن محمود عباس لا يزيد عن كونه منصة لتحقيق هذا الهدف.

والى ذلك ليس السؤال الحقيقي ما إذا كان عباس مستعدا بشكل حقيقي للسلام، وأنه سيبدأ بمحاربة الإرهاب ابتداء من الغد، بل فيما إذا كانت الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل مستعدة، لانتهاز هذه الفرصة النادرة، المتمثلة بانتخاب زعيم فلسطيني براغماتي، سبق له أن لعب دورا في العمليات السلمية مع إسرائيل، وصرح بشجاعة ضد استخدام العنف في الانتفاضة الأخيرة.

واليوم لا يحتاج أبو مازن أن يثبت نفسه. فهو وفي سن التاسعة والستين، أصبح أكثر السياسيين شفافية في المنطقة. فكتبه وخطاباته والمقابلات معه وأفعاله كلها معروفة. وحتى في اللحظات الأكثر صعوبة التي مرت بها الحملة الانتخابية الأخيرة، خرج عن مسارها لإدانة إطلاق صواريخ ضد إسرائيل من قبل «حماس»، وهذا ما ترتب عليه نقد شديد ضده وضد سياساته، من قبل بعض الأطراف الإسلامية المتشددة.

ففي عام 1995، وبعد عامين من المفاوضات، توصلنا إلى ما عرف آنذاك بـ«اتفاق بيلين ـ أبو مازن». وقد عملت تلك الوثيقة غير الموقع عليها، كأساس لخطة كلينتون، التي طرحت بعد مضي خمس سنوات على الوصول إلى ذلك الاتفاق، وأصبحت كذلك أساسا للمفاوضات، التي توجت باتفاق جنيف قبل عام واحد.

وعلى مستوى شخصي، فعباس شخص براغماتي، لكنه ليس بالضرورة معتدلا. فهو لا يمتلك أي تعاطف مع المشروع الصهيوني، لكنه فهم قبل الكثير من زملائه، أن المحنة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، يمكن حلها من خلال دولة فلسطينية، تقام بجانب إسرائيل، بدلا من أن تحل محلها. أما من الناحية المبدئية، فموقف عباس لا يختلف عن موقف ياسر عرفات في هذه الرؤية، ومن هنا، وفي لحظة اتخاذ قرار حاسم، قد يطرح نفسه باعتباره مواصلا لنهج عرفات. لكن السؤال الحقيقي لا يتعلق بالمبادئ، وإنما بالتفاصيل. وفي رأيي سيكون ممكنا الوصول إلى اتفاق سلام تفصيلي مع عباس.

فقد كسب عباس دعما حقيقيا وواسعا من قبل شعبه لاحتلال منصبه الجديد. وهو وكونه من مواليد صفد، فقد كان نفسه لاجئا، (وهذا يعني أنه سيكون أسهل عليه إقناع اللاجئين، بقبول التعويضات المالية التي يستحقونها)، لكل ذلك يمثل انتخابه كرئيس للسلطة الفلسطينية فرصة نادرة.

لكن إذا لم نقم من الآن فصاعدا، بما هو أكثر من الانتظار لكي يبادر عباس نفسه، فإننا على الأكثر سنضيِّع هذه الفرصة. فالرجل يرأس جهازا دمر خلال الأربع سنوات الأخيرة، إذ ليس هناك سيادة للقانون والنظام داخل الأراضي الفلسطينية، والناس يخافون ترك منازلهم في الليل، وليس هناك سوى جزء من قوى الأمن الفلسطينية التي تطيع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، فيما يعيش نصف الفلسطينيين تحت خط الفقر، وتستشري البطالة بينهم بشكل كبير جدا. وقد يتمكن عباس من تشكيل حكومة قادرة على الظهور في الاجتماعات، وإجراء مقابلات صحافية مع أعضائها، وتسعى للوصول إلى إيجاد اتفاق مع «حماس»، بل حتى القيام بزيارات لبلدان أخرى، لكن إذا كان يريد أن يحقق تغييرا حقيقيا في الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني، فإنه بحاجة إلينا ـ لا من خلال الجلوس على السياج والتفرج فقط، بل التوجه معه إلى المنصة.

ومن هنا، وإذا أراد الرئيس بوش أن ينفذ «خارطة الطريق» بدون تجديدها، ووضع مواعيد نهائية معقولة، وبدون إرسال مبعوث للمنطقة يقوم بالإشراف على مسار الأحداث، وبدون أن يكون هناك شخص يعمل ممثلا له ليلا ونهارا لتطبيق الخطة، التي اتفقت عليها إسرائيل والفلسطينيون (كل طرف حسب تأويله لها)، فإن عباس سيفشل. وبدون رؤية سياسية شاملة، فإنه لن يكون قادرا على الحفاظ على وجوده السياسي.

وإذا لم يقدم الأوروبيون المساعدة له من خلال دعمهم المالي لخطط اقتصادية، وإعادة تأهيل البنى التحتية، ومساعدة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في حقل التدريب والعمل، باعتبارها قوة شرطة فعالة، فإن محمود عباس سيصبح تاريخا، حتى قبل أن يسيطر زعماء الحروب على السلطة الفلسطينية. ولذا، فمن جانبه أيضا يكون عليه أن يثبت أنه قادر على تغيير الوضع بشكل يومي، وتثبيت أن الهدوء شيء مفيد للفلسطينيين.

وأخيرا، فإذا بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بتطبيق خطة الانسحاب من غزة، وكأن عرفات هو شريكه في السلم، وإذا استمرت الاغتيالات ضد الفلسطينيين كما هي عليه، وإذا لم تتقلص نقاط التفتيش، وإذا لم ترجع الأطراف إلى مائدة المفاوضات لمناقشة اتفاقية الحل الدائم، بعد أربع سنوات لم يتم خلالها أي تبادل لكلمة رسمية واحدة بينهما، فإنه عند ذلك سيكون تضييعا للوقت تحضير تقارير عن عباس، وعندها سنكون جميعا قد أضعنا هذه الفرصة أيضا. ولنا أن نعترف بأننا ممتازون في تضييع الفرص.

* وزير سابق في حكومات رابين وبيريز

وباراك وأحد المبادرين بعملية أوسلو، خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)